قوله تعالى : وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه بعث   
[ ص: 227 ] أصحاب الكهف  من نومتهم الطويلة ليتساءلوا بينهم ، أي ليسأل بعضهم بعضا عن 
مدة لبثهم في الكهف في تلك النومة ، وأن بعضهم قال إنهم لبثوا يوما أو بعض يوم ، وبعضهم رد علم ذلك إلى الله جل وعلا . 
ولم يبين هنا قدر المدة التي تساءلوا عنها في نفس الأمر ، ولكنه بين في موضع آخر أنها ثلاثمائة سنة بحساب السنة الشمسية ، وثلاثمائة سنة وتسع سنين بحساب السنة القمرية ، وذلك في قوله تعالى : 
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا   [ 18 \ 25 ] كما تقدم . 
قوله تعالى : 
فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه   . 
في قوله في هذه الآية " أزكى " قولان للعلماء . 
أحدهما أن المراد بكونه " أزكى " أطيب لكونه حلالا ليس مما فيه حرام ولا شبهة . 
والثاني أن المراد بكونه أزكى أنه أكثر ، كقولهم : زكا الزرع : إذا كثر ، وكقول الشاعر : 
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب 
أي أكثر من ثلاثة . 
والقول الأول هو الذي يدل له القرآن ; لأن 
أكل الحلال والعمل الصالح أمر الله به المؤمنين كما أمر المرسلين ، قال : 
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا الآية [ 23 \ 51 ] ، وقال : 
ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون   [ 2 \ 172 ] ، ويكثر في القرآن إطلاق مادة الزكاة على الطهارة ; كقوله : 
قد أفلح من تزكى الآية [ 17 \ 14 ] ، وقوله : 
قد أفلح من زكاها الآية [ 91 \ 9 ] ، وقوله : 
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا   [ 24 \ 21 ] ، وقوله : 
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما   [ 18 \ 81 ] ، وقوله : 
أقتلت نفسا زكية بغير نفس الآية [ 18 \ 74 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
فالزكاة في هذه الآيات ونحوها : يراد بها الطهارة من أدناس الذنوب والمعاصي ، فاللائق بحال هؤلاء الفتية الأخيار المتقين أن يكون مطلبهم في مأكلهم الحلبة والطهارة ، لا الكثرة . وقد قال بعض العلماء : إن عهدهم بالمدينة فيها مؤمنون يخفون إيمانهم ،   
[ ص: 228 ] وكافرون ، وأنهم يريدون الشراء من طعام المؤمنين دون الكافرين ، وأن ذلك هو مرادهم بالزكاة في قوله : 
أزكى طعاما ، وقيل : كان فيها أهل كتاب 
ومجوس  ، والعلم عند الله تعالى . 
والورق في 
قوله تعالى : فابعثوا أحدكم بورقكم   [ 18 \ 19 ] الفضة ، وأخذ 
علماء المالكية  وغيرهم من هذه الآية الكريمة مسائل من مسائل الفقه : 
المسألة الأولى : 
جواز الوكالة وصحتها   ; لأن قولهم : 
فابعثوا أحدكم بورقكم الآية ، يدل على توكيلهم لهذا المبعوث لشراء الطعام . وقال بعض العلماء : لا تدل الآية على جواز التوكيل مطلقا بل مع التقية والخوف ، لأنهم لو خرجوا كلهم لشراء حاجتهم لعلم بهم أعداؤهم في ظنهم فهم معذورون ، فالآية تدل على توكيل المعذور دون غيره ، وإلى هذا ذهب 
أبو حنيفة  ، وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون  من 
أصحاب مالك  في التوكيل على الخصام . 
قال 
ابن العربي    : وكأن 
سحنونا  تلقاه من 
 nindex.php?page=showalam&ids=12311أسد بن الفرات  ، فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك لأهل الظلم والجبروت إنصافا منهم وإذلالا لهم ، وهو الحق ، فإن 
الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل   . اهـ . 
وقال 
القرطبي    : كلام 
ابن العربي  هذا حسن ، فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء ، والدليل على صحة 
جواز الوكالة للشاهد الصحيح ، ما أخرجه الصحيحان وغيرهما عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008088كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل ، فجاء يتقاضاه ، فقال : " أعطوه " فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ، فقال " أعطوه " فقال : أوفيتني أوفى الله لك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن خيركم أحسنكم قضاء " لفظ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    . 
فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي عليه وذلك توكيل منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مريضا ولا مسافرا ، وهذا يرد قول 
أبي حنيفة   nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون  في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح إلا برضا خصمه " ، وهذا الحديث خلاف قولهما . اهـ كلام 
القرطبي    . 
ولا يخفى ما فيه ; لأن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة  وسحنونا  إنما خالفا في 
الوكالة على المخاصمة بغير إذن الخصم فقط ، ولم يخالفا في الوكالة في دفع الحق .  
[ ص: 229 ] وبهذه المناسبة سنذكر إن شاء الله الأدلة من الكتاب والسنة على صحة الوكالة وجوازها ، وبعض المسائل المحتاج إليها من ذلك ، تنبيها بها على غيرها . 
اعلم أولا أن الكتاب والسنة والإجماع كلها دل على جواز الوكالة وصحتها في الجملة ، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى هنا : 
فابعثوا أحدكم بورقكم هذه الآية ، وقوله تعالى : 
والعاملين عليها الآية [ 9 \ 60 ] ، فإن عملهم عليها توكيل لهم على أخذها . 
واستدل لذلك بعض العلماء أيضا بقوله : 
اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي الآية [ 12 \ 93 ] ، فإنه توكيل لهم من 
يوسف  على إلقائهم قميصه على وجه أبيه ليرتد بصيرا . 
واستدل بعضهم لذلك أيضا بقوله تعالى عن 
يوسف    : 
قال اجعلني على خزائن الأرض الآية [ 12 \ 55 ] ، فإنه توكيل على ما في خزائن الأرض . 
وأما السنة فقد 
دلت أحاديث كثيرة على جواز الوكالة وصحتها ، من ذلك حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  المتقدم في كلام 
القرطبي  ، الدال على التوكيل في قضاء الدين ، وهو حديث متفق عليه ، وأخرج الجماعة إلا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  من حديث 
أبي رافع  عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . 
ومنها حديث 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008089عروة بن أبي الجعد البارقي    : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة ، فاشترى له به شاتين : فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة ، فدعا له بالبركة في بيعه ، فكان لو اشترى التراب لربح فيه ، رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  وأبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي   nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه   nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني  ، وفيه التوكيل على الشراء . 
ومنها حديث 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008090 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما قال : أردت الخروج إلى خيبر  ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إني أردت الخروج إلى خيبر    . فقال : " إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته " أخرجه 
أبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني  ، وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن له وكيلا . 
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008091  " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ، وهو صريح في 
التوكيل في إقامة الحدود   . 
ومنها حديث 
علي  رضي الله عنه قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008092  " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها ، وألا أعطي الجازر منها شيئا ، وقال : نحن نعطيه من   [ ص: 230 ] عندنا " متفق عليه . وفيه التوكيل على القيام على البدن والتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها ، وعدم إعطاء الجازر شيئا منها . 
ومنها حديث 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008093 nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر  رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه فبقي عتود ، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " ضح أنت به " متفق عليه أيضا . وفيه الوكالة في تقسيم الضحايا ، والأحاديث بمثل ذلك كثيرة ، وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما طرفا كافيا منها ، ذكرنا بعضه هنا . 
وقد قال 
ابن حجر  في فتح الباري في كتاب الوكالة ما نصه : اشتمل كتاب الوكالة - يعني من صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    - على ستة وعشرين حديثا ، المعلق منها ستة ، والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنا عشر حديثا ، والبقية خالصة ، وافقه 
مسلم  على تخريجها سوى حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف  في قتل 
أمية بن خلف  ، وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك  في الشاة المذبوحة ، وحديث 
وفد هوازن  من طريقيه ، وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  في حفظ زكاة رمضان ، وحديث 
عقبة بن الحارث  في قصة النعيمان ، وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم ستة آثار ، والله أعلم . انتهى من فتح الباري . وكل تلك الأحاديث دالة على جواز الوكالة وصحتها . 
وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز الوكالة وصحتها في الجملة ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في المغني : وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة ، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك ، فإنه لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه ، فدعت الحاجة إليها ، انتهى منه . وهذا مما لا نزاع فيه . 
فروع تتعلق بمسألة الوكالة 
الفرع الأول : 
لا يجوز التوكيل إلا في شيء تصح النيابة فيه ، فلا تصح في فعل محرم ; لأن التوكيل من التعاون ، والله يقول : 
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان الآية [ 5 \ 2 ] . 
ولا تصح في عبادة محضة كالصلاة والصوم ونحوهما ; لأن ذلك مطلوب من كل أحد بعينه ، فلا ينوب فيه أحد من أحد ; لأن الله يقول : 
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الآية [ 51 \ 56 ] . 
أما 
الحج عن الميت والمعضوب ، 
والصوم عن الميت فقد دلت أدلة أخر على   
[ ص: 231 ] النيابة في ذلك ، وإن خالف كثير من العلماء في الصوم عن الميت ; لأن العبرة بالدليل الصحيح من الوحي لا بآراء العلماء ، إلا عند عدم النص من الوحي . 
الفرع الثاني : ويجوز 
التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا ، صحيحا أو مريضا . وهذا قول جمهور العلماء ، منهم 
مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
وأحمد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى  ، 
وأبو يوسف  ، 
ومحمد  ، وغيرهم . وقال 
أبو حنيفة    : للخصم أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا غير معذور ; لأن حضوره مجلس الحكم ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه ، وقد قدمنا في كلام 
القرطبي  أن هذا قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون  أيضا من 
أصحاب مالك  ، واحتج الجمهور بظواهر النصوص ; لأن الخصومة أمر لا مانع من الاستنابة فيه . 
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي والله تعالى أعلم في مسألة التوكيل على الخصام والمحاكمة : أن الصواب فيها التفصيل . 
فإن كان الموكل ممن عرف بالظلم والجبروت والادعاء بالباطل فلا يقبل منه التوكيل لظاهر قوله تعالى : 
ولا تكن للخائنين خصيما   [ 4 \ 105 ] . وإن كان معروفا بغير ذلك فلا مانع من توكيله على الخصومة ، والعلم عند الله تعالى . 
الفرع الثالث : ويجوز 
التوكيل بجعل وبدون جعل ، والدليل على التوكيل بغير جعل أنه صلى الله عليه وسلم وكل 
أنيسا  في إقامة الحد على المرأة ، 
وعروة البارقي  في شراء الشاة من غير جعل . ومثال ذلك كثير في الأحاديث التي ذكرنا وغيرها . 
والدليل على التوكيل بجعل قوله تعالى : 
والعاملين عليها   [ 9 \ 60 ] فإنه توكيل على جباية الزكاة وتفريقها بجعل منها كما ترى . 
الفرع الرابع : إذا 
عزل الموكل وكيله في غيبته وتصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم به ، أو مات موكله وتصرف بعد موته وقبل العلم به ، فهل يمضي تصرفه نظرا لاعتقاده ، أو لا يمضي نظرا للواقع في نفس الأمر ، في ذلك خلاف معروف بين أهل العلم مبني على قاعدة أصولية ، وهي : 
هل يستقل الحكم بمطلق وروده وإن لم يبلغ المكلف ، أو لا يكون ذلك إلا بعد بلوغه للمكلف . ويبنى على الخلاف في هذه القاعدة الاختلاف في خمس وأربعين صلاة التي نسخت من الخمسين بعد فرضها ليلة الإسراء ، هل يسمى ذلك نسخا في حق الأمة   
[ ص: 232 ] لوروده ، أو لا يسمى نسخا في حقهم ; لأنه وقع قبل بلوغ التكليف بالمنسوخ لهم ، وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله : 
هل يستقل الحكم بالورود     أو ببلوغه إلى الموجود 
فالعزل بالموت أو العزل عرض     كذا قضاء جاهل للمفترض 
ومسائل الوكالة معروفة مفصلة في كتب فروع المذاهب الأربعة ، ومقصودنا ذكر أدلة ثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع ، وذكر أمثلة من فروعها تنبيها بها على غيرها ; لأنها باب كبير من أبواب الفقه . 
المسألة الثانية : أخذ بعض علماء المالكية من هذه الآية الكريمة 
جواز الشركة   ; لأنهم كانوا مشتركين في الورق التي أرسلوها ليشتري لهم طعاما بها . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي    : لا دليل في هذه الآية على الشركة ، لاحتمال أن يكون كل واحد منهم أرسل معه نصيبه منفردا ليشتري له به طعامه منفردا ، وهذا الذي ذكره 
ابن العربي  متجه كما ترى ، وقد دلت أدلة أخرى على جواز الشركة ، وسنذكر إن شاء الله بهذه المناسبة أدلة ذلك ، وبعض مسائله المحتاج إليها ، وأقوال العلماء في ذلك . 
اعلم أولا : أن 
الشركة جائزة في الجملة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين   . 
أما الكتاب فقد دلت على ذلك منه آيات في الجملة ، كقوله تعالى : 
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث   [ 4 \ 12 ] ، وقوله تعالى : 
وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض   [ 38 \ 24 ] ، عند من يقول : إن الخلطاء : الشركاء ، وقوله تعالى : 
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية [ 8 \ 41 ] ، وهي تدل على الاشتراك من جهتين . 
وأما السنة فقد دلت على جواز الشركة أحاديث كثيرة سنذكر هنا إن شاء الله طرفا منها ، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007369  " من أعتق شركا له في عبد ، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم ، وإلا فقد عتق عليه ما عتق "   . وقد ثبت نحوه في الصحيح عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بالاشتراك في الرقيق ، وقد ترجم 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله في صحيحه لحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر   nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة  المذكورين بقوله : ( باب الشركة في الرقيق ) ، ومن ذلك ما أخرجه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  رحمهما الله 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008094عن أبي المنهال  ، قال : 
اشتريت أنا   [ ص: 233 ] وشريك لي شيئا يدا بيد ونسيئة ، فجاءنا  nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب  فسألناه فقال : فعلت أنا وشريكي  nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم  وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " ما كان يدا بيد فخذوه ، وما كان نسيئة فذروه "   . وفيه إقراره صلى الله عليه وسلم 
البراء  وزيدا  المذكورين على ذلك الاشتراك ، وترجم 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله : ( باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف ) ، ومن ذلك إعطاؤه صلى الله عليه وسلم 
أرض خيبر  لليهود  ليعملوا فيها ويزرعوها ، على أن لهم شطر ما يخرج من ذلك ، وهو اشتراك في الغلة الخارجة منها ، وقد ترجم
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله ( باب مشاركة الذميين والمشركين في المزارعة ) ومن ذلك ما أخرجه 
أحمد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  عن 
جابر  رضي الله عنه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008095أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة   . وترجم 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله : ( باب الشركة في الأرضين وغيرها ) ثم ساق الحديث بسند آخر ، وترجم له أيضا بقوله ( باب إذا قسم الشركاء الدور وغيرها ، فليس لهم رجوع ولا شفعة ) ومن ذلك ما رواه 
أبو داود  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  مرفوعا قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008096إن الله يقول : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خانه خرجت من بينهما " قال العلامة 
الشوكاني  رحمه الله تعالى في نيل الأوطار في هذا الحديث : صححه 
الحاكم  وأعله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان  بالجهل بحال 
سعيد بن حيان    . وقد ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان  في الثقات ، وأعله أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان  بالإرسال ، فلم يذكر فيه 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة  وقال إنه الصواب . ولم يسنده غير 
أبي همام محمد بن الزبرقان  وسكت 
أبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  على هذا الحديث ، وأخرج نحوه 
أبو القاسم الأصبهاني  في الترغيب والترهيب عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام    . انتهى منه . ومن المعروف عن 
أبي داود  رحمه الله أنه لا يسكت عن الكلام في حديث إلا وهو يعتقد صلاحيته للاحتجاج . والسند الذي أخرجه به 
أبو داود  الظاهر منه أنه صالح للاحتجاج ، فإنه قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16860محمد بن سليمان المصيصي  ، ثنا 
محمد بن الزبرقان  عن 
أبي حيان التيمي  ، عن أبيه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة    - رحمه الله - رفعه ، قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008097إن الله يقول : " أنا ثالث الشريكين " . إلى آخر الحديث . 
فالطبقة الأولى من هذا الإسناد هي 
محمد بن سليمان ، وهو أبو جعفر العلاف الكوفي ، ثم المصيصي لقبه " لوين "  بالتصغير ، وهو ثقة . 
والطبقة الثانية منه : 
محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازي  ، وهو من رجال   
[ ص: 234 ] الصحيحين ، وقال في التقريب : صدوق ، ربما وهم . 
والطبقة الثالثة منه هي 
أبو حيان التيمي ، وهو يحيى بن سعيد بن حيان الكوفي  ، وهو ثقة . 
والطبقة الرابعة منه هي أبوه 
سعيد بن حيان  المذكور الذي قدمنا في كلام 
الشوكاني    : أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان  أعل هذا الحديث بأنه مجهول ، ورد ذلك بأن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان  قد ذكره في الثقات ، وقال 
ابن حجر    ( في التقريب ) : إنه وثقه 
العجلي  أيضا . 
والطبقة الخامسة منه 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة  ، رفعه . 
فهذا إسناد صالح كما ترى ، وإعلال الحديث بأنه روي موقوفا من جهة أخرى ، يقال فيه : إن الرفع زيادة ، وزيادة العدول مقبولة كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث ، ويؤيده كونه جاء من طريق أخرى عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام  كما ذكرناه في كلام 
الشوكاني  آنفا . 
ومن ذلك حديث 
السائب بن أبي السائب  أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك ، لا تداريني ولا تماريني ، أخرجه 
أبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه  ، ولفظه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008098كنت شريكي ونعم الشريك ، كنت لا تداري ولا تماري ، وأخرجه أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  والحاكم  وصححه ، وفيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له على كونه كان شريكا له ، والأحاديث الدالة على الشركة كثيرة جدا . 
وقد قال 
ابن حجر  في فتح الباري في آخر كتاب الشركة ما نصه : اشتمل كتاب الشركة ( يعني من صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    ) من الأحاديث المرفوعة على سبعة وعشرين حديثا ، المعلق منها واحد ، والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة عشر حديثا ، والخالص أربعة عشر ، وافقه 
مسلم  على تخريجها سوى حديث 
النعمان    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008099  " مثل القائم على حدود الله " ، وحديثي 
 nindex.php?page=showalam&ids=16471عبد الله بن هشام  ، وحديثي 
عبد الله بن عمر  ، وحديث 
عبد الله بن الزبير  في قصته ، وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  الأخير ، وفيه من الآثار أثر واحد ، والله أعلم . انتهى كلام 
ابن حجر  ، وبهذا تعلم كثرة الأحاديث الدالة على الشركة في الجملة . 
وأما الإجماع فقد أجمع جميع علماء المسلمين على جواز أنواع من أنواع الشركات ، وإنما الخلاف بينهم في بعض أنواعها . 
اعلم أولا أن 
الشركة قسمان : شركة أملاك ، وشركة عقود   . 
فشركة الأملاك أن يملك عينا اثنان أو أكثر بإرث أو شراء أو هبة ونحو ذلك ، وهي المعروفة عند المالكية بالشركة الأعمية .  
[ ص: 235 ] وشركة العقود تنقسم إلى شركة مفاوضة ، وشركة عنان ، وشركة وجوه ، وشركة أبدان ، وشركة مضاربة ، وقد تتداخل هذه الأنواع فيجتمع بعضها مع بعض . 
أما شركة الأملاك فقد جاء القرآن الكريم بها في قوله تعالى : 
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث   [ 4 \ 12 ] ، ولا خلاف فيها بين العلماء . 
وأما أنواع شركة العقود فسنذكر إن شاء الله هنا معانيها وكلام العلماء فيها ، وأمثلة للجائز منها تنبيها بها على غيرها ، وما ورد من الأدلة في ذلك . 
اعلم أن 
شركة المفاوضة مشتقة من التفويض ; لأن كل واحد منهما يفوض أمر التصرف في مال الشركة إلى الآخر ، ومن هذا قوله تعالى عن 
مؤمن آل فرعون    : 
وأفوض أمري إلى الله الآية [ 40 \ 44 ] . 
وقيل : أصلها من المساواة ، لاستواء الشريكين فيها في التصرف والضمان ، وعلى هذا فهي من الفوضى بمعنى التساوي ، ومنه قول 
الأفوه الأودي    : 
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم     ولا سراة إذا جهالهم سادوا 
إذا تولى سراة الناس أمرهم     نما على ذاك أمر القوم وازدادوا 
فقوله : " لا يصلح الناس فوضى " أي لا تصلح أمورهم في حال كونهم فوضى ، أي متساوين لا أشراف لهم يأمرونهم وينهونهم ، والقول الأول هو الصواب ، هذا هو أصلها في اللغة . 
وأما 
شركة العنان فقد اختلف في أصل اشتقاقها اللغوي ، فقيل : أصلها من عن الأمر يعن - بالكسر والضم - عنا وعنونا : إذا عرض ، ومنه قول 
امرئ القيس    : 
فعن لنا سرب كأن نعاجه     عذارى دوار في ملاء مذيل 
قال 
ابن منظور  في اللسان : وشرك العنان وشركة العنان : شركة في شيء خاص دون سائر أموالهما ، كأنه عن لهما شيء فاشترياه واشتركا فيه ، واستشهد لذلك بقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة الجعدي    : 
فشاركنا قريشا  في تقاها     وفي أحسابها شرك العنان 
بما ولدت نساء بني هلال     وما ولدت نساء بني أبان 
وبهذا تعلم أن شركة العنان معروفة في كلام العرب ، وأن قول 
ابن القاسم  من   
[ ص: 436 ] أصحاب مالك    : إنه لا يعرف شركة العنان عن 
مالك  ، وأنه لم ير أحدا من 
أهل الحجاز  يعرفها ، وإنما يروى عن 
مالك   nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  من أنهما لم يطلقا هذا الاسم على هذه الشركة ، وأنهما قالا : 
هي كلمة تطرق بها 
أهل الكوفة  ليمكنهم التمييز بين الشركة العامة والخاصة من غير أن يكون مستعملا في كلام العرب - كل ذلك فيه نظر لما عرفت أن كان ثابتا عنهم . 
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : 
اعلم أن مراد 
النابغة  في بيتيه المذكورين : بما ولدت 
نساء بني هلال ابن عامر بن صعصعة  ، وأن منهم 
لبابة الكبرى  ، 
ولبابة الصغرى  ، وهما أختان ، ابنتا 
الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال  ، وهما أختا 
 nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة بنت الحارث  زوج النبي صلى الله عليه وسلم . 
أما 
لبابة الكبرى  فهي زوج 
 nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب  رضي الله عنه ، وهي أم أبنائه : 
عبد الله  ، 
وعبيد الله  ، 
والفضل  وبه كانت تكنى ، وفيها يقول الراجز : 
ما ولدت نجيبة من فحل     كستة من بطن أم الفضل  
وأما 
لبابة الصغرى  فهي 
أم خالد بن الوليد  رضي الله عنه ، وعمتهما 
صفية بنت حزن هي أم أبي سفيان بن حرب  ، وهذا مراده : 
بما ولدت نساء بني هلال  
وأما نساء 
بني أبان  فإنه يعني أن 
أبا العاص  ، 
والعاص  ، 
وأبا العيص  ، 
والعيص  أبناء 
أمية بن عبد شمس  ، أمهم 
آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة  ، فهذه الأرحام المختلطة بين 
العامريين  وبين 
قريش  هي مراد 
النابغة  بمشاركتهم لهم في الحسب والتقى شرك العنان . 
وقيل : إن 
شركة العنان أصلها من عنان الفرس ، كما يأتي إيضاحه إن شاء الله ، وهو المشهور عند العلماء . 
وقيل هي من المعاناة بمعنى المعارضة ، يقال : عاننته : إذا عارضته بمثل ماله أو فعاله ، فكل واحد من الشريكين يعارض الآخر بماله وفعاله . 
وهي بكسر العين على الصحيح خلافا لمن زعم فتحها ، ويروى عن 
عياض  وغيره ، وادعاء أن أصلها من عنان السماء بعيد جدا كما ترى .  
[ ص: 337 ] وأما 
شركة الوجوه فأصلها من الوجاهة ، لأن الوجيه تتبع ذمته بالدين ، وإذا باع شيئا باعه بأكثر مما يبيع به الخامل . 
وأما 
شركة الأبدان فأصلها اللغوي واضح ; لأنهما يشتركان بعمل أبدانهما ، ولذا تسمى شركة العمل ، إذ ليس الاشتراك فيها بالمال ، وإنما هو بعمل البدن . 
وأما 
شركة المضاربة وهي القراض فأصلها من الضرب في الأرض ; لأن التاجر يسافر في طلب الربح ، والسفر يكنى عنه بالضرب في الأرض ، كما في قوله تعالى : 
وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله الآية [ 73 \ 20 ] ، وقوله : 
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية [ 4 \ 101 ] . 
فإذا عرفت معاني أنواع الشركة في اللغة ، فسنذكر لك إن شاء الله تعالى هنا معانيها المرادة بها في الاصطلاح عند الأئمة الأربعة وأصحابهم ، وأحكامها ; لأنهم مختلفون في المراد بها اصطلاحا ، وفي بعض أحكامها . 
أما مذهب 
مالك  في أنواع الشركة وأحكامها فهذا تفصيله : 
اعلم أن 
شركة المفاوضة جائزة عند 
مالك  وأصحابه ، والمراد بشركة المفاوضة عندهم هو أن يطلق كل واحد منهما التصرف لصاحبه في المال الذي اشتركا فيه غيبة وحضورا ، وبيعا وشراء ، وضمانا وتوكيلا ، وكفالة وقراضا ، فما فعل أحدهما من ذلك لزم صاحبه إذا كان عائدا على شركتهما . 
ولا يكونان شريكين إلا فيما يعقدان عليه الشركة من أموالهما ، دون ما ينفرد به كل واحد منهما من ماله ، وسواء اشتركا في كل ما يملكانه أو في بعض أموالهما ، وتكون يد كل منهما كيد صاحبه ، وتصرفه كتصرفه ما لم يتبرع بشيء ليس في مصلحة الشركة . 
وسواء كانت المفاوضة بينهما في جميع أنواع المتاجر أو في نوع واحد منها ، كرقيق يتفاوضان في التجارة فيه فقط ، ولكل واحد منهما أن يبيع بالدين ويشتري فيه ويلزم ذلك صاحبه وهذا هو الصواب ، خلافا 
لخليل  في مختصره في الشراء بالدين . 
وقد أشار 
خليل  في مختصره إلى جواز شركة المفاوضة في مذهب 
مالك  مع تعريفها ، وما يستلزمه عقدها من الأحكام بالنسبة إلى الشريكين بقوله : ثم إن أطلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة ، ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء وله أن يتبرع إن استألف به أوخف كإعارة آلة ودفع كسرة ويبضع ويقارد ويودع لعذر وإلا ضمن ، ويشارك في معين ويقبل ويولي ويقبل   
[ ص: 338 ] المعيب وإن أبى الآخر ، ويقر بدين لمن لا يتهم عليه ، ويبيع بالدين لا الشراء به ، ككتابة وعتق على مال ، وإذن لعبد في تجارة ومفاوضة . وقد قدمنا أن الشراء بالدين كالبيع به ، فللشريك فعله بغير إذن شريكه على الصحيح من مذهب 
مالك  خلافا 
لخليل    . وأما الكتابة والعتق على المال وما عطف عليه فلا يجوز شيء منه إلا بإذن الشريك . 
واعلم أن شركة المفاوضة هذه في مذهب 
مالك  لا تتضمن شيئا من أنواع الغرر التي حرمت من أجلها شركة المفاوضة عند الشافعية ومن وافقهم ; لأن ما استفاده أحد الشريكين المتفاوضين من طريق أخرى كالهبة والإرث ، واكتساب مباح كاصطياد واحتطاب ونحو ذلك لا يكون شيء منه لشريكه ، كما أن ما لزمه غرمه خارجا عن الشركة كأرش جناية ، وثمن مغصوب ونحو ذلك ، لا شيء منه على شريكه ، بل يقتصر كل ما بينهما على ما كان متعلقا بمال الشركة ، فكل منهما وكيل عن صاحبه ، وكفيل عليه في جميع ما يتعلق بمال الشركة ، وهكذا اقتضاه العقد الذي تعاقدا عليه ، فلا موجب للمنع ولا غرر في هذه الشركة عند المالكية ; لأنهم لا يجعلون المتفاوضين شريكين في كل ما اكتسبا جميعا حتى يحصل الغرر بذلك ، ولا متضامنين في كل ما جنيا حتى يحصل الغرر بذلك ، بل هو عقد على أن كل واحد منهما نائب عن الآخر في كل التصرفات في مال الشركة ، وضامن عليه في كل ما يتعلق بالشركة ، وهذا لا مانع منه كما ترى ، وبه تعلم أن اختلاف المالكية والشافعية في شركة المفاوضة خلاف في حال ، لا في حقيقة . 
وأما 
شركة العنان فهي جائزة عند الأئمة الأربعة ، مع اختلافهم في تفسيرها ، وفي معناها في مذهب 
مالك  قولان ، وهي جائزة على كلا القولين : الأول وهو المشهور أنها هي الشركة التي يشترط كل واحد من الشريكين فيها على صاحبه ألا يتصرف في مال الشركة إلا بحضرته وموافقته ، وعلى هذا درج 
خليل  في مختصره بقوله : وإن اشترطا نفي الاستبداد فعنان ، وهي على هذا القول من عنان الفرس ; لأن عنان كل واحد من الشريكين بيد الآخر فلا يستطيع الاستقلال دونه بعمل ، كالفرس التي يأخذ راكبها بعنانها فإنها لا تستطيع الذهاب إلى جهة بغير رضاه . 
والقول الثاني عند المالكية : أن شركة العنان هي الاشتراك في شيء خاص ، وبهذا جزم 
ابن رشد  ونقله عند 
المواق  في شرح قول 
خليل    : وإن اشترطا نفي الاستبداد إلخ ، وهذا المعنى الأخير أقرب للمعروف في اللغة كما قدمنا عن 
ابن منظور  في اللسان . 
وأما 
شركة الوجوه فلها عند العلماء معان :  
[ ص: 239 ] الأول منها هو أن يشترك الوجيهان عند الناس بلا مال ولا صنعة ، بل ليشتري كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معا ، فإذا باعا كان الربح الفاضل عن الأثمان بينهما . 
وهذا النوع من شركة الوجوه هو المعروف عند المالكية بشركة الذمم ، وهو فاسد عند المالكية والشافعية ، خلافا للحنفية 
والحنابلة  ، ووجه فساده ظاهر ، لما فيه من الغرر ، لاحتمال أن يخسر هذا ويربح هذا كالعكس ، وإلى فساد هذا النوع من الشركة أشار 
ابن عاصم المالكي  في تحفته بقوله : 
وفسخها إن وقعت على الذمم     ويقسمان الربح حكم ملتزم 
المعنى الثاني من معانيها أن يبيع وجيه مال خامل بزيادة ربح ، على أن يكون له بعض الربح الذي حصل في المبيع بسبب وجاهته ; لأن الخامل لو كان هو البائع لما حصل ذلك الربح ، وهذا النوع أيضا فاسد ; لأنه عوض جاه ، كما قاله غير واحد من أهل العلم . 
والمعنى الثالث أن يتفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه في الذمة ويبيع الخامل ويكون الربح بينهما ، وهذا النوع أيضا فاسد عند المالكية والشافعية ، لما ذكرنا من الغرر سابقا . 
وأما 
شركة الأبدان عند المالكية فهي جائزة بشروط ، وهي أن يكون عمل الشريكين متحدا كخياطين ، أو متلازما كأن يغزل أحدهما وينسج الآخر ; لأن النسج لا بد له من الغزل ، وأن يتساويا في العمل جودة ورداءة وبطأ وسرعة ، أو يتقاربا في ذلك ، وأن يحصل التعاون بينهما ، وإلى جواز هذا النوع من الشركة بشروطه أشار 
خليل  في مختصره بقوله : 
وجازت بالعمل إن اتحد أو تلازم وتساويا فيه ، أو تقاربا وحصل التعاون ، وإن بمكانين ، وفي جواز إخراج كل آلة واستئجاره من الآخر ، أو لا بد من ملك أو كراء - تأويلان ، كطبيبين اشتركا في الدواء ، وصائدين في البازين ، [ وهل وإن افترقا رويت عليهما وحافرين بكركاز ومعدن ، ولم يستحق وارثه بقيته وأقطعه الإمام ، وقيد بما لم يبد ، ولزمه ما يقبله صاحبه وإن تفاصلا وألغي مرض كيومين إلخ ] وبهذا تعلم أن شركة الأبدان جائزة عند المالكية في جميع أنواع العمل : من صناعات بأنواعها ، وطب واكتساب مباح ، كالاصطياد والاحتشاش والاحتطاب ، وغير ذلك بالشروط المذكورة ، وقال 
ابن عاصم  في تحفته : 
شركة بمال أو بعمل     أو بهما تجوز لا لأجل 
 [ ص: 240 ] وبقي نوع معروف عند المالكية من أنواع الشركة يسمى في الاصطلاح بـ " 
شركة الجبر   " وكثير من العلماء يخالفهم في هذا النوع الذي هو " شركة الجبر " . 
وشركة الجبر   : هي أن يشتري شخص سلعة بسوقها المعهود لها ، ليتجر بها بحضرة بعض تجار جنس تلك السلعة الذين يتجرون فيها ، ولم يتكلم أولئك التجار الحاضرون ، فإن لهم إن أرادوا الاشتراك في تلك السلعة مع ذلك المشتري أن يجبروه على ذلك ، ويكونون شركاءه في تلك السلعة شاء أو أبى . 
وشركتهم هذه معه جبرا عليه هي " شركة الجبر " المذكورة ، فإن كان اشتراها ليقتنيها لا ليتجر بها ، أو اشتراها ليسافر بها إلى محل آخر ولو للتجارة بها فيه - فلا جبر لهم عليه ، وأشار 
خليل  في مختصره إلى " شركة الجبر " بقوله : وأجبر عليها إن اشترى شيئا بسوقه لا لكفر أو قنية ، وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره ، وهل في الزقاق لا كبيته قولان ، وأما شركة المضاربة فهي القراض ، وهو أن يدفع شخص إلى آخر مالا ليتجر به على جزء من ربحه يتفقان عليه ، وهذا النوع جائز بالإجماع إذا استوفى الشروط كما سيأتي إن شاء الله دليله . 
وأما 
أنواع الشركة في مذهب  nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رحمه الله فهي أربعة : ثلاثة منها باطلة في مذهبه ، والرابع صحيح . 
وأما الثلاثة الباطلة فالأول منها " شركة الأبدان " كشركة الحمالين ، وسائر المحترفين : كالخياطين ، والنجارين ، والدلالين ، ونحو ذلك ، ليكون بينهما كسبهما متساويا أو متفاوتا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها . 
فاتفاق الصنعة كشركة خياطين ، واختلافها كشركة خياط ونجار ونحو ذلك ، كل ذلك باطل في مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، ولا تصح عنده الشركة إلا بالمال فقط لا بالعمل . 
ووجه 
بطلان شركة الأبدان عند الشافعية هو أنها شركة لا مال فيها ، وأن فيها غررا ; لأن كل واحد منهما لا يدري أيكتسب صاحبه شيئا أم لا ، ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده ، كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة على أن يكون النسل والدر بينهما ، وقياما على الاحتطاب والاصطياد ، هكذا توجيه الشافعية للمنع في هذا النوع من الشركة . 
وقد علمت فيما مر شروط جواز هذا النوع عند المالكية ، إذ بتوفر الشروط المذكورة   
[ ص: 241 ] ينتفي الغرر . 
والثاني 
من الأنواع الباطلة عند الشافعية هو شركة المفاوضة ، وهي عندهم أن يشتركا على أن يكون بينهما جميع كسبهما بأموالهما وأبدانهما ، وعليهما جميع ما يعرض لكل واحد منهما من غرم ، سواء كان بغصب أو إتلاف أو بيع فاسد أو غير ذلك ، ولا شك أن هذا النوع مشتمل على أنواع من الغرر فبطلانه واضح ، وهو ممنوع عند المالكية ، ولا يجيزون هذا ولا يعنونه بـ " شركة المفاوضة " كما قدمنا . 
وقد قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رحمه الله في هذا النوع : إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة ، فلا باطل أعرفه في الدنيا . يشير إلى كثرة الغرر والجهالات فيها ، لاحتمال أن يكسب كل واحد منهما كسبا دون الآخر ، وأن تلزم كل واحد منهما غرامات دون الآخر ، فالغرر ظاهر في هذا النوع جدا . 
والثالث 
من الأنواع الباطلة عند الشافعية : هو " شركة الوجوه   " وهي عندهم أن يشتري الوجيهان ليبتاع كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معا ، فإذا باعا كان الفاضل من الأثمان بينهما ، وهذا النوع هو المعروف عند المالكية بـ " شركة الذمم " ، ووجه فساده ظاهر ، لما فيه من الغرر ; لأن كلا منهما يشتري في ذمته ويجعل كل منهما للآخر نصيبا من ربح ما اشترى في ذمته ، مقابل نصيب من ربح ما اشترى الآخر في ذمته ، والغرر في مثل هذا ظاهر جدا ، وبقية أنواع " شركة الوجوه " ذكرناه في الكلام عليها في مذهب 
مالك  ، وكلها ممنوعة في مذهب مالك ومذهب الشافعي ، ولذا اكتفينا بما قدمنا عن الكلام على بقية أنواعها في مذهب الشافعي . 
أما النوع الرابع من أنواع الشركة الذي هو صحيح عند الشافعية فهو " شركة العنان " وهي : أن يشتركا في مال لهما ليتجرا فيه ، ويشترط فيها عندهم صيغة تدل على الإذن في التصرف في مال الشركة ، فلو اقتصرا على لفظ " اشتركنا " لم يكف على الأصح عندهم . 
ويشترط في الشريكين أهلية التوكيل والتوكل ، وهذا الشرط مجمع عليه ، وتصح " شركة العنان " عند الشافعية في المثليات مطلقا دون المقومات وقيل : تختص بالنقد المضروب . 
ويشترط عندهم فيها خلط المالين ، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، والحيلة عندهم في الشركة في العروض هي أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر   
[ ص: 241 ] ويأذن له في التصرف ، ولا يشترط عندهم تساوي المالين ، والربح والخسران على قدر المالين ، سواء تساويا في العمل أو تفاوتا ، وإن شرطا خلاف ذلك فسد العقد ، ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله . 
عقد الشركة المذكورة يسلط كل واحد منهما على التصرف في مال الشركة بلا ضرر ، فلا يبيع بنسيئة ، ولا بغبن فاحش ، ولا يبضعه بغير إذن شريكه ، ولكل منهما فسخها متى شاء . 
وأما تفصيل 
أنواع الشركة في مذهب الإمام أبي حنيفة  رحمه الله فهو أن الشركة تنقسم إلى ضربين : 
شركة ملك ، وشركة عقد . 
فشركة الملك واضحة ، كأن يملكا شيئا بإرث أو هبة ونحو ذلك كما تقدم ، وشركة العقد عندهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام : 
شركة بالمال ، وشركة بالأعمال ، وشركة بالوجوه ، وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة عندهم ينقسم قسمين : مفاوضة ، وعنان ، فالمجموع ستة أقسام . 
أما 
شركة المفاوضة عندهم فهي جائزة إن توفرت شروطها ، وهي عندهم الشركة التي تتضمن وكالة كل من الشريكين للآخر ، وكفالة كل منهما الآخر ، ولابد فيها من 
مساواة الشريكين في المال والدين والتصرف   . 
فبتضمنها الوكالة يصح تصرف كل منهما في نصيب الآخر . 
وبتضمنها الكفالة يطلب كل منهما بما لزم الآخر . 
وبمساواتهما في المال يمتنع أن يستبد أحدهما بشيء تصح الشركة فيه دون الآخر ، ولذا لو ورث بعد العقد شيئا تصح الشركة فيه كالنقد بطلت المفاوضة ، ورجعت الشركة شركة عنان . 
وبتضمنها المساواة في الدين تمتنع بين مسلم وكافر . 
وبتضمنها المساواة في التصرف تمتنع بين بالغ وصبي ، وبين حر وعبد ، وكل ما اشتراه واحد من شريكي المفاوضة فهو بينهما ، إلا طعام أهله وكسوتهم ، وكل دين لزم أحدهما بتجارة وغصب وكفالة لزم الآخر .  
[ ص: 243 ] ولا تصح عندهم شركة مفاوضة أو عنان بغير النقدين والتبر والفلوس النافقة ، والحيلة في الشركة في العروض عندهم هي ما قدمناه عن الشافعية ، فهم متفقون في ذلك . 
وأما 
شركة العنان فهي جائزة عند الحنفية  ، وقد قدمنا الإجماع على جوازها على كل المعاني التي تراد بها عند العلماء . 
وشركة العنان عند الحنفية  هي الشركة التي تتضمن الوكالة وحدها ، ولم تتضمن الكفالة ، وهي : أن يشتركا في نوع بز أو طعام أو في عموم التجارة . ولم يذكر الكفالة . 
ويعلم من هذا أن كل ما اشتراه أحدهما كان بينهما ، ولا يلزم أحدهما ما لزم الآخر من الغرامات ، وتصح عندهم شركة العنان المذكورة مع التساوي في المال دون الربح وعكسه ، إذا كانت زيادة الربح لأكثرهما عملا ; لأن زيادة الربح في مقابلة زيادة العمل وفاقا للحنابلة ، وعند غيرهم لا بد أن يكون الربح بحسب المال ، ولو اشترى أحد الشريكين " شركة العنان " بثمن فليس لمن باعه مطالبة شريكه الآخر ; لأنها لا تتضمن الكفالة بل يطالب الشريك الذي اشترى منه فقط ، ولكن الشريك يرجع على شريكه بحصته ، ولا يشترط في هذه الشركة عندهم خلط المالين ، فلو اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر كان المشترى بينهما ، ويرجع على شريكه بحصته منه . 
وتبطل هذه الشركة عندهم بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء ، وتفسد عندهم باشتراط دراهم مسماة من الربح لأحدهما ، ويجوز عندهم لكل من شريكي المفاوضة والعنان أن يبضع ويستأجر ، ويودع ويضارب ويوكل ، ويد كل منهما في مال الشركة يد أمانة ، كالوديعة والعارية . 
وأما 
شركة الأعمال ففيها تفصيل عند 
الحنفية  ، فإن كان العمل من الصناعات ونحوها جازت عندهم شركة الأعمال ، ولا يشترطون اتحاد العمل أو تلازمه خلافا للمالكية كما تقدم فيجوز عند 
الحنفية    : أن يشترك خياطان مثلا ، أو خياط وصباغ على أن يتقبلا الأعمال ، ويكون الكسب بينهما ، وكل عمل يتقبله أحدهما يلزمهما . وإذا عمل أحدهما دون الآخر فما حصل من عمله فهو بينهما ، وإنما استحق فيه الذي لم يعمل لأنه ضمنه بتقبل صاحبه له ، فاستحق نصيبه منه بالضمان . 
وهذا النوع الذي أجازه 
الحنفية  لا يخفى أنه لا يخلو من غرر في الجملة عند اختلاف صنعة الشريكين ، لاحتمال أن يحصل أحدهما أكثر مما حصله الآخر ، فالشروط التي أجاز بها المالكية " شركة الأعمال " أحوط وأبعد من الغرر كما ترى .  
[ ص: 244 ] وأما 
إن كانت الأعمال من جنس اكتساب المباحات فلا تصح فيها الشركة عند الحنفية  ، كالاحتطاب والاحتشاش ، والاصطياد واجتناء الثمار من الجبال والبراري ، خلافا للمالكية 
والحنابلة    . 
ووجه منعه عند 
الحنفية  أن من اكتسب مباحا كحطب أو حشيش أو صيد ملكه ملكا مستقلا ، فلا وجه لكون جزء منه لشريك آخر ; لأنه لا يصح التوكيل فيه ، ومن أجازه قال : إن كل واحد منهما جعل للآخر نصيبا من ذلك المباح الذي يكتسبه في مقابل النصيب الذي يكتسبه الآخر ، والمالكية القائلون بجواز هذا يشترطون اتحاد العمل أو تقاربه ، فلا غرر في ذلك ، ولا موجب للمنع ، وفي اشتراط ذلك عند 
الحنابلة  خلاف كما سيأتي إن شاء الله . 
وأما " شركة الوجوه " التي قدمنا أنها هي المعروفة عند المالكية " بشركة الذمم " وقدمنا منعها عند المالكية والشافعية فهي جائزة عند 
الحنفية  ، سواء كانت مفاوضة أو عنانا ، وقد علمت مما تقدم أن المفاوضة عندهم تتضمن الوكالة والكفالة . 
وأن العنان تتضمن الوكالة فقط ، وإن اشترط الشريكان في " شركة الوجوه " مناصفة المشتري أو مثالثته فالربح كذلك عندهم وبطل عندهم شرط الفضل ; لأن الربح عندهم لا يستحق إلا بالعمل ، كالمضارب ، أو بالمال كرب المال ، أو بالضمان كالأستاذ الذي يتقبل العمل من الناس ويلقيه على التلميذ بأقل مما أخذ ، فيطيب له الفضل بالضمان ، هكذا يقولونه ، ولا يخفى ما في " شركة الوجوه " من الغرر . 
واعلم أن 
الربح في الشركة الفاسدة على حسب المال إن كانت شركة مال ، وعلى حسب العمل إن كانت شركة عمل ، وهذا واضح ، وتبطل الشركة بموت أحدهما . 
وأما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام 
أحمد  رحمه الله فهي أيضا قسمان : شركة أملاك ، وشركة عقود . 
وشركة العقود عند الحنابلة  خمسة أنواع   : شركة العنان ، والأبدان ، والوجوه ، والمضاربة ، والمفاوضة . 
أما شركة الأبدان فهي جائزة عندهم ، سواء كان العمل من الصناعات أو اكتساب المباحات ، أما مع اتحاد العمل فهي جائزة عندهم بلا خلاف ، وأما مع اختلاف العمل فقال 
أبو الخطاب    : لا تجوز وفاقا للمالكية ، وقال القاضي : تجوز وفاقا للحنفية   
[ ص: 245 ] في الصناعات دون اكتساب المباحات . 
وإن اشتركا على أن يتقبل أحدهما للعمل ويعمله الثاني والأجرة بينهما صحت الشركة عند 
الحنابلة  والحنفية  خلافا 
لزفر  ، والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه عند 
الحنابلة    . 
وأما شركة الوجوه التي قدمنا أنها هي المعروفة بشركة الذمم عند المالكية فهي جائزة أيضا في مذهب
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  وفاقا 
لأبي حنيفة  ، وخلافا 
لمالك   nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، وأما 
شركة العنان فهي جائزة أيضا عند الإمام أحمد  ، وقد قدمنا الإجماع على جوازها ، وهي عندهم : أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما والربح بينهما ، وهذه الشركة إنما تجوز عندهم بالدنانير والدراهم ، ولا تجوز بالعروض . 
وأما شركة المفاوضة فهي عند 
الحنابلة  قسمان : أحدهما جائز ، والآخر ممنوع . 
وأما الجائز منهما فهو أن يشتركا في جميع أنواع الشركة ، كأن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان فيصح ذلك ; لأن كل نوع منها يصح على انفراده فصح مع غيره . 
وأما النوع الممنوع عندهم منها فهو أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكل واحد منهما من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة ، ويلزم كل واحد منهما ما لزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة ضمان ، وكفالة ، وفساد هذا النوع ظاهر لما فيه من الغرر كما ترى . 
وأما 
شركة المضاربة وهي القراض فهي جائزة عند الجميع وقد قدمنا أنها هي : أن يدفع شخص لآخر مالا يتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها ، وكون الربح في المضاربة بحسب ما اتفقا عليه لا خلاف فيه بين العلماء ، سواء كان النصف أو أقل أو أكثر لرب المال أو للعامل . 
وأما شركة العنان عند الشافعية 
والحنابلة  والحنفية  والمالكية ، وشركة المفاوضة عند المالكية فاختلف في نسبة الربح ، فذهب 
مالك   nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  إلى أنه لا بد من كون الربح والخسران بحسب المالين ، وذهب 
أبو حنيفة  وأحمد  إلى أن الربح بينهما على ما اتفقا عليه ، فلهما أن يتساويا في الربح مع تفاضل المالين . 
وحجة القول الأول أن الربح تبع للمال ، فيلزم أن يكون بحسبه ، وحجة القول الأخير أن العمل مما يستحق به الربح ، وقد يكون أحدهما أبصر بالتجارة وأقوى على   
[ ص: 346 ] العمل من الآخر ، فتزاد حصته لزيادة عمله . 
هذا خلاصة مذاهب الأئمة الأربعة في أنواع الشركة ، وقد علمت أنهم أجمعوا على جواز شركة العنان ، وشركة المضاربة ، وشركة الأملاك ، واختلفوا فيما سوى ذلك ، فأجاز 
الحنفية  والحنابلة  شركة الوجوه ، ومنعها المالكية والشافعية . 
وأجاز المالكية 
والحنفية  والحنابلة  شركة الأبدان إلا في اكتساب المباحات فقط فلم يجزه 
الحنفية  ، ومنع الشافعية شركة الأبدان مطلقا . 
وأجاز المالكية شركة المفاوضة ، وصوروها بغير ما صورها به المالكية ، وأجاز 
الحنابلة  نوعا من أنواع المفاوضة وصوروه بصورة مخالفة لتصوير غيرهم لها ، ومنع الشافعية المفاوضة كما منعوا شركة الأبدان والوجوه ، وصوروا المفاوضة بصورة أخرى كما تقدم . 
والشافعية إنما يجيزون الشركة بالمثلي مطلقا نقدا أو غيره ، لا بالمقومات . 
والحنفية  لا يجيزونها إلا بالنقدين والتبر والفلوس النافقة ، 
والحنابلة  لا يجيزونها إلا بالدنانير والدراهم كما تقدم جميع ذلك . 
وقد بينا كيفية الحيلة في الاشتراك بالعروض عند الشافعية 
والحنفية  ، وعند المالكية تجوز بدنانير من كل واحد منهما ، وبدراهم من كل واحد منهما ، وبدنانير ودراهم من كل واحد منهما ، وبنقد من أحدهما وعرض من الآخر ، وبعرض من كل واحد منهما سواء اتفقا أو اختلفا ، وقيل : إن اتفقا ، لا إن اختلفا ، إلا أن العروض تقوم ، وأما خلط المالين فلا بد منه عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رحمه الله حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر كما تقدم ، ويكفي في مذهب 
مالك  أن يكون المالان في حوز واحد ، ولو كان كل واحد من المالين في صرته لم يختلط بالآخر ، ولا يشترط خلط المالين عند 
الحنفية  كما تقدم ، وكذلك لا يشترط خلط المالين عند 
الحنابلة    . 
فتحصل أنه لم يشترط خلط المالين إلا الشافعية ، وأن المالكية إنما يشترطون كون المالين في محل واحد ، كحانوت أو صندوق ، وإن كان كل واحد منهما متميزا عن الآخر . 
فإذا عرفت ملخص كلام العلماء في أنواع الشركة ، فسنذكر ما تيسر من أدلتها ، أما النوع الذي تسميه المالكية " مفاوضة " ويعبر عنه الشافعية 
والحنابلة  بشركة العنان ، فقد   
[ ص: 247 ] يستدل له بحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب  الذي قدمناه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري   nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد  ، فإنه يدل على الاشتراك في التجارة والبيع والشراء لأن المقصود بالاشتراك التعاون على العمل المذكور فينوب كل واحد من الشريكين عن الآخر ، ويدل لذلك أيضا حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  يرفعه ، قال : إن الله يقول " أنا ثالث الشريكين . . . " الحديث المتقدم ، وقد بينا كلام العلماء فيه ، وبينا أنه صالح للاحتجاج ، وهو ظاهر في أنهما يعملان معا في مال الشركة بدليل قوله : " ما لم يخن أحدهما صاحبه . . . " الحديث . 
ويدل لذلك أيضا حديث 
السائب بن أبي السائب  المتقدم في أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، وهو اشتراك في التجارة والبيع والشراء . 
وأما شركة الأبدان فيحتج لها بما رواه 
أبو عبيدة  عن أبيه 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه ، قال : اشتركت أنا 
وعمار  وسعد  فيما نصيب يوم 
بدر    . قال : فجاء 
سعد  بأسيرين ولم أجئ أنا 
وعمار  بشيء   . رواه 
أبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي   nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه  ، وقال 
المجد  في " منتقى الأخبار " بعد أن ساقه : وهو حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات ، وأعل هذا الحديث بأن 
أبا عبيدة  لم يسمع من أبيه 
عبد الله  المذكور فالحديث مرسل ، وقد قدمنا مرارا أن 
الأئمة الثلاثة يحتجون بالمرسل خلافا للمحدثين . 
وأما المضاربة فلم يثبت فيها حديث صحيح مرفوع ، ولكن الصحابة أجمعوا عليها لشيوعها وانتشارها فيهم من غير نكير ، وقد مضى على ذلك عمل المسلمين من لدن الصحابة إلى الآن من غير نكير ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم  في مراتب الإجماع : كل أبواب الفقه لها أصل من الكتاب والسنة ، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا فيهما البتة ، ولكنه إجماع صحيح مجرد ، والذي يقطع به أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره ، ولولا ذلك لما جاز . اهـ منه بواسطة نقل 
الشوكاني  في نيل الأوطار . 
واعلم أن اختلاف الأئمة الذي قدمنا في أنواع الشركة المذكورة راجع إلى الاختلاف في تحقيق المناط ، فبعضهم يقول : هذه الصورة يوجد فيها الغرر وهو مناط المنع فهي ممنوعة ، فيقول الآخر : لا غرر في هذه الصورة يوجب المنع فمناط المنع ليس موجودا فيها ، والعلم عند الله تعالى . 
المسألة الثالثة : أخذ بعض علماء المالكية وغيرهم من هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها أيضا : جواز 
خلط الرفقاء طعامهم وأكل بعضهم مع بعض وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر   ; لأن 
أصحاب الكهف  بعثوا ورقهم ليشترى لهم بها طعام يأكلونه جميعا ،   
[ ص: 248 ] وقد قدمنا في كلام 
ابن العربي  أنه تحتمل انفراد ورق كل واحد منهم وطعامه ; فلا تدل الآية على خلطهم طعامهم ، كما قدمنا عنه أنها لا تدل على الاشتراك للاحتمال المذكور ، وله وجه كما ترى . 
وقال 
ابن العربي    : ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين ، أحدهما : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008100أن  nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  مر بقوم يأكلون تمرا فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه ، والثاني : حديث 
أبي عبيدة  في جيش الخبط ، وهذا دون الأول في الظهور ; لأنه يحتمل أن يكون 
أبو عبيدة  يعطيهم كفافا من ذلك القوت ولا يجمعهم . اهـ كلام 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي  رحمه الله تعالى . 
قال مقيده عفا الله عنه : هذا النوع من الاشتراك وهو خلط الرفقة طعامهم واشتراكهم في الأكل فيه هو المعروف بـ " النهد " بكسر النون وفتحها ، ولجوازه أدلة من الكتاب والسنة ، أما دليل ذلك من الكتاب فقوله تعالى : 
وإن تخالطوهم فإخوانكم   [ 2 \ 220 ] ، فإنها تدل على خلط طعام اليتيم مع طعام وصيه وأكلهما جميعا ، وقوله تعالى 
ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا   [ 24 \ 61 ] ، ومن صور أكلهم جميعا أن يكون الطعام بينهم فيأكلون جميعا ، وأما السنة فقد دلت على ذلك أحاديث صحيحة ، منها حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008101  " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى الساحل ، فأمر عليهم  nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة بن الجراح  ، وهم ثلاثمائة نفر ، وأنا فيهم ، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة  بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كله ، فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة ، فقلت : وما تغني تمرة ؟ فقال : لقد وجدنا فقدها حين فنيت ، ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت . . " الحديث ، وهذا الحديث ثابت في الصحيح ، واللفظ الذي سقناه به لفظ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  في كتاب " الشركة " وفيه جمع 
أبي عبيدة  بقية أزواد القوم وخلطها في مزودي تمر ، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم بعد قدومهم إليه . 
ومنها حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع  رضي الله عنه قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008102خفت أزواد القوم وأملقوا ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم ، فأذن لهم فلقيهم عمر  فأخبروه ، فقال : ما بقاؤكم بعد إبلكم ، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما بقاؤهم بعد إبلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناد في الناس فيأتون بفضل أزوادهم " فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك عليه ، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   [ ص: 249 ]   " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " هذا الحديث ثابت في الصحيح ، واللفظ الذي سقناه به 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري  أيضا في كتاب " الشركة " وفيه : خلط طعامهم بعضه مع بعض . 
ومنها حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  رضي الله عنهما ، قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008103نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه ، في رواية في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008104نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه . 
كل هذا ثابت في الصحيح واللفظ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري  رحمه الله في كتاب " الشركة " ، وإذن صاحبه له يدل على اشتراكهما في التمر كما ترى ، وهذا الذي ذكرنا جوازه من خلط الرفقاء طعامهم وأكلهم منه جميعا هو مراد 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله بلفظ النهد في قوله في كتاب الشركة : الشركة في الطعام والنهد . إلى قوله : لم ير المسلمون في النهد بأسا أن يأكل هذا بعضا وهذا بعضا وهذا بعضا إلخ . 
فروع تتعلق بمسألة الشركة 
الأول : إن دفع شخص دابته لآخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا - ففي صحة ذلك خلاف بين العلماء ، فقال بعضهم : يصح ذلك ، وهو مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، ونقل نحوه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي  ، وقال بعضهم : لا يصح ذلك ، وما حصل فهو للعامل وعليه أجرة مثل الدابة ، وهذا هو مذهب 
مالك    : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في " المغني " وكره ذلك 
الحسن  والنخعي  ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور  ، 
وابن المنذر  ، وأصحاب الرأي : لا يصح ، والربح كله لرب الدابة ، وللعامل أجرة مثله ، هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة . 
وأقوى الأقوال دليلا عندي فيها مذهب من أجاز ذلك ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251كالإمام أحمد  ، بدليل حديث 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008105 nindex.php?page=showalam&ids=15904رويفع بن ثابت  ، قال : إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف ، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح ، هذا الحديث أخرجه 
أحمد  وأبو داود   nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي  ، قال 
الشوكاني  في " نيل الأوطار " : إسناد 
أبي داود  فيه 
شيبان بن أمية القتباني  وهو مجهول ، وبقية رجاله ثقات ، وقد أخرجه 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كلهم ثقات ، والحديث دليل صريح على جواز 
دفع الرجل إلى الآخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما ، وهو عمل على الدابة على أن ما يرزقه الله بينهما كما ترى ، والتفريق بين العمل في الجهاد وبين غيره لا يظهر ، والعلم عند الله تعالى .  
[ ص: 250 ] الفرع الثاني أن يشترك ثلاثة : من أحدهم دابة ، ومن آخر رواية ، ومن الثالث العمل ، على أن ما رزقه الله تعالى فهو بينهم ، فهل يجوز هذا ؟ اختلف في ذلك ، فمن العلماء من قال لا يجوز هذا ، وهو مذهب 
مالك  ، وهو ظاهر قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . وممن قال بذلك : القاضي من 
الحنابلة  ، وأجازه بعض 
الحنابلة  ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في " المغني " : إنه صحيح في قياس قول 
أحمد  رحمه الله . 
الفرع الثالث أن يشترك أربعة : من أحدهم دكان ، ومن آخر رحى ، ومن آخر بغل ، ومن الرابع العمل ، على أن يطحنوا بذلك ، فما رزقه الله تعالى فهو بينهم ، فهل يصح ذلك أو لا ؟ اختلف فيه ، فقيل : يصح ذلك وهو مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، وخالف فيه القاضي من 
الحنابلة  وفاقا للقائلين بمنع ذلك كالمالكية ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة    : ومنعه هو ظاهر قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    ; لأن هذا لا يجوز أن يكون مشاركة ولا مضاربة ، فلو كان صاحب الرحى وصاحب الدابة وصاحب الحانوت اتفقوا على أن يعملوا جميعا وكان كراء الحانوت والرحى والدابة متساويا ، وعمل أربابها متساويا - فهو جائز عند المالكية ، وهذه المسألة هي التي أشار إليها 
خليل  في مختصره بقوله عاطفا على ما لا يجوز : وذي رحا ، وذي بيت ، وذي دابة ليعلموا إن لم يتساو الكراء وتساووا في الغلة وترادوا الأكرية ، وإن اشترط عمل رب الدابة فالغلة له وعليه كراؤهما . 
ولا يخفى أن " الشركة " باب كبير من أبواب الفقه ، وأن مسائلها مبينة باستقصاء في كتب فروع الأئمة الأربعة رضي الله عنهم ، وقصدنا هنا أن نبين جوازها بالكتاب والسنة والإجماع ، ونذكر أقسامها ومعانيها اللغوية والاصطلاحية ، واختلاف العلماء فيها ، وبيان أقوالهم ، وذكر بعض فروعها تنبيها بها على غيرها ، وقد أتينا على جميع ذلك ، والحمد لله رب العالمين .