صفحة جزء
( رؤيا مبشرة لا مغررة ) .

بعد كتابة ما تقدم بزهاء شهر رأيت في الرؤيا نفرا من أهل بلدنا ( طرابلس الشام ) مقبلين في عمائم وأقبية من الحرير النفيس ، وأنا جالس مع أناس ، فقال أحدهم : هذا فلان وذكر اسم رجل كان زعيما لطائفة كبيرة من الرجال المعروفين بالشجاعة والنجدة ، فقمنا له وسلمنا عليه وعلى من معه ، ففاجئونا بنبأ عظيم موضوعه أنه قد ظهر في هذه الآيات مصداق قوله تعالى : ( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) قالوا : ألم تعلموا بذلك ؟ قلنا : لا ، قالوا : إن هذه مسألة عظيمة قد عرفت . في أوربة وذكرت في بعض جرائدها - وظننت أنه كان معهم شيء من الجرائد - وقد اهتم لها فلان باشا - وذكر رئيس وزراء الدولة العثمانية - وسافر لأجلها . فصرت أفكر في هذه الكلمة الأخيرة والمراد منها . قلت في نفسي : ليت شعري هل سخر الله للملة الإسلامية قوما ينصرونها غير المدعين لذلك ؟ ومن هؤلاء القوم الذين لم نعلم من خبرهم هذا شيئا ؟ وما معنى اهتمام الوزير وسفره من العاصمة لأجلها ؟ وإلى أين سافر ؟ وهل يريد أن يكون مع هؤلاء القوم وحده أو مع أحد من شيعته كما تقتضيه السياسة أم فر منهم ؟ وقد اتسعت خواطري في ذلك بما لا حاجة إلى ذكره ، وأردت أن أسأل الجماعة المخبرين عن ذلك فاستيقظت قبل أن أفعل . وكان ذلك في وقت السحر ، وقد تذكرت قرب عهدي بتفسير الآية عندما قصصت رؤياي فحسبتها من المبشرات بأن الله تعالى قد يسخر للإسلام من غير الكافرين من ينصره [ ص: 496 ] ويصلح ما أفسد فيه أهله وغير أهله ، ويعيدون بناء ما هدم من شرعه ، ورفع عماد مائل من عرشه ، ولو بإزالة العلل والموانع وتمهيد السبيل لذلك . وقد يكون ذلك على وجه غير ما ينتظره الجماهير من ظهور المهدي بعد أن خابت الآمال في كثير من أدعياء المهدية . وإذا كان الله قد أرانا في تاريخنا مصداق قول رسوله " إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " وقوله : " إن الله تعالى ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله " أفيضيق على فضله أن يكون مضمون هذه الآية عاما مكررا ويؤيد الله الإسلام بقوم ليسوا بكافرين كملاحدة هذا العصر المعروفين ، ولا كالصحابة مؤمنين كاملين ، بل بين ذلك كخيار هذا العصر من المسلمين ؟ وبهذا يظهر من السر في وصف القوم في الآية بعد الكفر ما هو أعم مما ذكر من قبل ! فافهم .

( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) الهدى ضد الضلال ، وهو يطلق في مقام الدين على الطريق الموصل إلى الحق ، وهو الطريق المستقيم نطلبه في صلاتنا ، وعلى سلوك ذلك الطريق والاستقامة في السير عليه ، وقال الراغب : الهدى والهداية في موضوع اللغة واحد ، ولكن قد خص الله عز وجل لفظة الهدى بما تولاه وأعطاه واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان انتهى . وهو لا يصح مطردا . والاقتداء في اللغة السير على سنن من يتخذ قدوة أي مثالا يتبع . وهو لا يصح مطردا . قال في اللسان : يقال قدوة وقدوة لما يقتدى به ، ابن سيده : القدوة والقدوة ما تسننت به ثم قال : وقد اقتدى به والقدوة الأسوة . اهـ . والصواب أنها بتثليث القاف . بعد هذا ينبغي أن نعلم ما يكون به الاقتداء وما لا يكون ولا سيما اقتداء النبي - المرسل بالشرع الأكمل - بغيره ممن لو كان حيا لما وسعه إلا اتباعه ، فأما العلم بتوحيد الله وتنزيهه وإثبات صفات الكمال له وبسائر أصول الدين وعقائده كالإيمان بالملائكة وأمر البعث والجزاء ، فكل ذلك مما أوحاه الله تعالى إلى رسوله على أكمل وجه فكان علما ضروريا وبرهانيا له كما تقدم تقريره من عهد قريب ، فلا يمكن أن يؤمر بالاقتداء فيه بمن قبله ولا هو مما يقع فيه الاقتداء . وقوله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) 16 : 123 معناه أن الملة التي أوحاها إليه وأمره باتباعها - وهي العقيدة وأصل الدين - هي ملة إبراهيم ، وإنما يتبعها لأمر الله لا لأنها ملة إبراهيم ، إذ ليست مما علمه من إبراهيم بالتلقي عنه لأنه لم يكن في عصره ، ولا بالنقل لأنه لم يكن - صلى الله عليه وسلم - ناقلا ذلك عن العرب ، وإن كان من المشهور المتواتر عند العرب أن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان موحدا حنيفا . وأما الشرائع العملية فلا يقتدي فيها الرسول بأحد أيضا ، وإنما يتبعها [ ص: 497 ] لأن الله أمره باتباعها - ذلك بأن الرسول لا يتبع في الدين إلا ما أوحي إليه من حيث أنه أوحي إليه . وقد تقدم مما فسرنا من هذه السورة فيه قوله تعالى حكاية عن رسوله بأمره ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) 6 : 50 ومثله في أواخر سورة الأعراف ( 7 : 203 ) وقال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ) 45 : 18 الآية . وموافقة رسول لمن قبله في أصول الدين وبعض فروعه لا يسمى اقتداء ولا تأسيا ، وإنما يكون التأسي به في طريقته التي سلكها في الدعوة إلى الدين وإقامته . ومن الشواهد على هذا قوله تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ) 60 : 4 الآية - فإنه تعالى أرشد المؤمنين إلى التأسي بإبراهيم ومن آمن معه وجعلهم قدوة لهم في سيرتهم العملية التي كانت من هدي الله تعالى لهم ، وهي البراءة من معبودات قومهم ومنهم ما داموا عابدين لها .

ولما كان وعد إبراهيم لأبيه بالاستغفار له وهو مشرك ليس من هذا الهدى ، بل كان مسألة شاذة لها سبب خاص استثناها تعالى من التأسي به فقال : ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) إلخ .

فمعنى الجملة على هذا : أولئك الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في الآيات المتلوة آنفا ، والموصوفون في الآية الأخيرة بإيتاء الله إياهم الكتاب والحكم والنبوة ، هم الذين هداهم الله تعالى الهداية الكاملة ، فبهداهم دون ما يغايره ويخالفه من أعمال غيرهم وهفوات بعضهم اقتد أيها الرسول فيما يتناوله كسبك وعملك مما بعثت به من تبليغ الدعوة وإقامة الحجة والصبر على التكذيب والجحود ، وإيذاء أهل العناد والجمود ، ومقلدة الآباء والجدود وإعطاء كل حال حقها من مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال ، كالصبر والشكر ، والشجاعة والحلم ، والإيثار والزهد ، والسخاء ، والبذل ، والحكم بالعدل ، إلخ . ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) 11 : 120 ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) 6 : 34 ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم 46 : 35 ) فأما قوله تعالى له في آخر سورة " ن " ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم 68 : 48 ) - وصاحب الحوت هو يونس أحد هؤلاء الأنبياء الثمانية عشر - فالنهي فيه مما دل عليه الحصر بتقديم " فبهداهم " على " اقتده " كما تقدم ، فإن هذه الحالة لم تكن من الهدى الذي هدى الله يونس إليه ، بل هفوة عاقبه الله عليها ثم تاب عليه ، ولا يحط هذا من قدر يونس عليه السلام ، ولإزالة توهم ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقال : " لا تفضلوني على يونس بن متى " أي في [ ص: 498 ] أصل النبوة لأجل هفوته ، وهو كقوله " لا تفضلوا بين الأنبياء " وفيه " ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى " وكل ذلك في الصحاح ، والمراد منه عدم التفريق بين الرسل والأنبياء لا منع مطلق التفضيل ، فعلم بهذا أن الله لم يأمر خاتم رسله بالاقتداء بكل فرد من أولئك الأنبياء في كل عمل ، وإنما أمره أن يقتدي بهداهم إليه في سيرتهم ، سواء ما كان منه مشتركا بينهم ، وما امتاز في الكمال فيه بعضهم ، كما امتاز نوح وإبراهيم وآل داود بالشكر ، ويوسف وأيوب وإسماعيل بالصبر ، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس بالقناعة والزهد ، وموسى وهارون بالشجاعة ، وشدة العزيمة في النهوض بالحق . فالله تعالى قد هدى كل نبي رفعه درجات في الكمال ، وجعل درجات بعضهم فوق بعض ، ثم أوحى إلى خاتم رسله خلاصة سير أشهرهم وأفضلهم وهم المذكورون في هذه الآيات وفي سائر القرآن الكريم ، وأمره أن يقتدي بهداهم ذاك ، وهذه هي الحكمة العليا لذكر قصصهم في القرآن . وقد شهد الله تعالى بأنه جاء بالحق وصدق المرسلين ، وأنه لم يكن بدعا من الرسل ، فعلم بهذا أنه كان مهتديا بهداهم كلهم ، وبهذا كانت فضائله ومناقبه الكسبية أعلى من جميع مناقبهم وفضائلهم ; لأنه اقتدى بها كلها فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقا فيهم ، إلى ما هو خاص به دونهم ; ولذلك شهد الله تعالى له بما لم يشهد به لأحد منهم فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) 68 : 4 وأما فضائله وخصائصه الوهبية فأمر تفضيله عليهم فيها أظهر ، وأعظمها عموم البعثة ، وختم النبوة والرسالة ، وإنما كمال الأشياء في خواتيمها ، صلى الله عليه وعليهم أجمعين . والهاء في قوله : ( اقتده ) للسكت أثبتها في الوقف والوصل جمهور القراء ، وحذفها في الوصل حمزة والكسائي ، وقرأ ابن عامر بكسر الهاء من غير إشباع ، وهو ما يسمونه الاختلاس ، ولهم في تخريجها وجوه .

بعد كتابة ما تقدم راجعت أقوال المفسرين في تفسير ما به الاقتداء فرأيت الرازي لخصها بقوله : فمن الناس من قال المراد أن يقتدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به - أي بالله تعالى - في الذات والصفات والأفعال وسائر العقليات ، وقال آخرون : المراد الاقتداء بهم في جميع الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة الكاملة من الصبر على أذى السفهاء والعفو عنهم . وقال آخرون : المراد الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل . وبهذا التقدير كانت الآية دليلا على أن شرع من قبلنا يلزمنا - ثم ذكر بعد مقدمة وجيزة أن المراد : اقتد بهم في نفي الشرك وإثبات التوحيد وتحمل سفاهات الجهال في هذا الباب ( قال ) : وقال آخرون اللفظ مطلق ، فهو محمول على الكل إلا ما خصه الدليل المنفصل اهـ .

[ ص: 499 ] وهذه الأقوال متداخلة ، وأقربها إلى الصواب ثانيها من حيث إنه مفصل وآخرها المجمل الذي لا يعلم المراد منه .

وقد نظم الرازي هنا جميع العقليات في سلك أصول الدين من التوحيد والتنزيه وإثبات الصفات ، وجميع ذلك عنده لا يمكن أن يعرفه الأنبياء ولا غيرهم إلا بنظر العقل كما نقلناه عنه في هذا السياق مردودا عليه ، والاقتداء في النظر والاستدلال لا يظهر له معنى وجيه فإن غايته أن يستدل بما استدل به مجموعهم أو كل فرد منهم وهو لا يصح ولم يقل به أحد ، أو أن يستدل كما استدلوا وليس هذا اقتداء ولا يصح أن يكون مرادا . وقد أورد الرازي عن القاضي في هذه المسألة اعتراضا وضعه في غير موضعه وأجاب عنه بما هو حجة عليه لا له . وأورد السعد على المسألة أن الواجب في الاعتقادات وأصول الدين هو اتباع الدليل من العقل والسمع فلا يجوز سيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقلد غيره فيه ، فما معنى أمره بالاقتداء فيه ؟ وأجاب بأن اعتقاده عليه السلام حينئذ ليس لأجل اعتقادهم بل لأجل التدليل بلا معنى لأمره بذلك . وجعل غيره معناه : تعظيم أولئك الرسل والأعلام بأن طريقهم هو الحق الموافق للدليل ، وهو تكلف لا يقبله التنزيل .

وأما القول بأن المراد الاقتداء بهم في فروع شرائعهم فهو أضعف الأقوال وأبعدها عن الصواب ، لا لما قيل من اختلافها وتناقضها وقبولها النسخ وكون المنسوخ لم يبق هدى . بل الأمر أعظم من ذلك : إن الله بعث محمدا خاتم النبيين والمرسلين وأكمل لنا على لسانه دينه المبين ، وأرسله رحمة لجميع العالمين ، وأنزل عليه في أواخر ما أنزله بعد ذكر التوراة والإنجيل وأهل الكتاب : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) 5 : 48 فهذه الآية ناطقة صراحة بأن كتاب هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهيمن ورقيب وحاكم على ما قبله من الكتب الإلهية لا تابع لشيء منها - وبأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن يحكم بين أهل الكتاب بما جاءه من الحق لا بما في كتبهم ، ولا يتبع أهواءهم إذ يود كل فريق منهم أن يحكم له بما يوافق كتبه ومذهبه ، وكل ذي دعوى أن يحكم له بما يوافق مصلحته ، على أنه لم يثبت لنبي من أولئك الثمانية عشر شريعة مفصلة إلا لموسى عليه السلام ولم يذكر الله تعالى لرسوله من تلك الشريعة إلا أحكاما قليلة اقتضت ذكرها إقامة الحجة على اليهود ، وذلك بعد نزول هذه السورة المكية بسنين ، وقد شهد القرآن على اليهود بأنهم حرفوا وبدلوا ونسوا حظا مما ذكروا به ، وكذلك أهل الإنجيل شهد عليهم بأنهم نسوا حظا مما ذكروا به ، وقد أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري بألا نصدق اليهود فيما يروونه من التوراة ولا نكذبهم ، فهل يمكن مع هذا أن يكون المراد بقوله تعالى : " فبهداهم اقتده " : اقتد أيها الرسول - الخاتم للنبيين ، الذي أكمل على لسانه الدين - بالأحكام [ ص: 500 ] القليلة التي نوحيها إليك من أحكام التوراة بعد سنين ؟ إن الذين اخترعوا هذا القول في الآية إنما جعلوه حجة جدلية لقول اتخذوه مذهبا ، وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا . وقد فصلنا القول ببطلانه وبطلان الاحتجاج بهذه الآية عليه في تفسير آية المائدة المذكورة آنفا ( 5 : 48 ) فيراجع في جزء التفسير السادس وبقية تلك الأقوال التي أوردها الرازي داخلة فيما ذكرناه منها ، فعلم بهذا أن ما قررناه أولا هو الوجه الصحيح الذي يدل عليه القرآن العزيز ، بما ذكرنا من شواهد آياته في هذا التقرير .

ولم يرد في التفسير المأثور شيء من هذه المسألة إلا ما أخرجه البخاري وبعض رواة التفسير عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه استدل بالآية على سجود التلاوة عند قوله تعالى عن داود في سورة " ص " : ( فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب 38 ) : 24 وقال : فكان داود ممن أمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ في الفتح وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا " سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا " فاستدل الشافعي بقوله شكرا على أنه لا يسجد فيها في الصلاة ; لأن سجود الشاكر لا يشرع داخل الصلاة . ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ وهو على المنبر " ص " فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس للسجود فقال " إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تهيأتم " فنزل وسجد وسجدوا معه . فهذا السياق يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها انتهى . وإنما ذكر الحافظ هذا في شرح باب سجدة " ص " من البخاري ، وفيه عن ابن عباس أن سجدة " ص " ليست من عزائم السجود ، ونحن نستدل بما ذكر عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلتزم سجودها ، وظاهر قوله " نسجدها شكرا " يخالف استنباط ابن عباس أنه كان يسجدها اقتداء بداود ، وإنما يظهر الاقتداء لو سجدها مثله توبة ، والحبر هو الحبر ولكنه غير معصوم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية