صفحة جزء
( تحقيق مسألة الإيمان بالرسل إجمالا وتفصيلا ) .

وعدد الرسل المذكورين في القرآن .

من أصول العقائد الإسلامية أن الله تعالى أرسل في كل الأمم رسلا ، منهم من قص على رسولنا ومنهم من لم يقصص عليه ، وأنه يجب الإيمان بمن ذكر منهم في القرآن إيمانا تفصيليا ، أي تجب معرفتهم بأسمائهم ، وصرح بعض العلماء بأن إنكار رسالة أحد منهم كفر ، وظاهر كلامهم هذا أن معرفتهم بأسمائهم من المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة ، فلا يعذر أحد بجهله إلا من كان حديث العهد بالإسلام ومن نشأ بعيدا عن بلاد المسلمين ، [ ص: 501 ] فمن لم يعلم أن " اليسع " رسول الله - مثلا - كان كافرا . ولكننا نعلم بالاختبار الصحيح أن أكثر عوام المسلمين في عصرنا - ومثله ما قبله من الأعصار المشابهة له - لا يعرفون أسماء كل من ذكر في القرآن منهم ، إذ لا يلقنهم أحد ذلك . بل نعلم بالاختبار الصحيح أيضا أن أكثر عوام الأقطار التي عرفناها لا يلقنهم أحد من أهل العلم عقائد الإسلام ، فكل ما يعلمون منها هو ما يسمعه بعضهم من بعض ، وليس هذا منه . وإذا ثبت أن هذا ليس من المعلوم من الدين بالضرورة ، فالذي يتجه ألا نكفر موحدا بجهل بعض هؤلاء الرسل إذا كان يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله إجمالا ، وباليوم الآخر وبالقدر وبأركان الإسلام العملية وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وسائر ما لا يزال معلوما من الدين بالضرورة ، كما أننا لا نكفر من ذكر بجهل غير ذلك مما يخفى على العوام من أخبار القرآن وأحكامه وآدابه كخبر أهل سبأ وحكم إرث الكلالة وأدب الاستئذان والسلام لدخول بيوت الناس ، وأما من جحد شيئا من ذلك بعد العلم بأنه منصوص في القرآن غير متأول فيكفر لأنه كذب كلام الله تعالى ، ومدار الكفر بكل أنواعه على تكذيب شيء من أمر الدين علم قطعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء به عن الله تعالى كما أن مدار الإيمان كله على تصديق الرسول في كل ما علم قطعا أنه جاء به عن الله تعالى تصديق قبول وإذعان ، وتقدم تفصيل ذلك في التفسير . والمراد بالعلم القطعي أن يكون قطعي الرواية كالقرآن وبعض السنة وقطعي الدلالة كالنصوص التي لا تحتمل التأويل فما كان غير قطعي الرواية احتمل أن يكذبه مكذب للجهل بالرواية أو لعدم تصديقه بعض رواته ، وما كان غير قطعي الدلالة احتمل أن يكذب مكذب ببعض معانيه لاعتقاده أن هذا المعنى غير مراد ، فهذا ما يخرج بغير العلم القطعي ، ولذلك يشترط العلماء في ذلك أن يكون مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة ، ويشترطون أن يكون المكذب غير متأول إذ لا يتأول أحد إلا ما كان غير قطعي الدلالة عنده ، ولهذا لم يكفر سلف الأمة من خالفهم في فهم آيات الصفات وغيرها من فرق المبتدعة متأولا ، ولكن السلف والخلف يكفرون من يكذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشيء يعتقد هو أنه جاء به عن الله تعالى وإن لم يكن في الواقع قطعي الرواية والدلالة إذ مدار الكفر على التكذيب .

وقد ذكروا في بعض كتب العقائد وغيرها أن الأنبياء المرسلين الذين ذكروا في القرآن ويجب الإيمان بهم تفصيلا خمسة وعشرون ، هم الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في هذه الآيات التي لا زال بصدد تفسيرها ، والسبعة الآخرون آدم أبو البشر وإدريس ولوط وأنبياء العرب هود وصالح وشعيب وخاتم الجميع محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام ، [ ص: 502 ] وزاد بعضهم ذو الكفل لذكره مع الأنبياء في سورة " ص " ولكن اختلف في نبوته لعدم التصريح بها ، وإنما وصف مع من ذكر معهم بأنهم من الأخيار .

وليس في القرآن نص قطعي صريح في رسالة آدم عليه السلام بل مفهوم قوله تعالى : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) 4 : 163 أن نوحا أول نبي مرسل أوحى الله إليه رسالته وشرعه . ويؤيده في الجملة هذه الآيات التي نفسرها وما في معناها كقوله تعالى ( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) 57 : 26 وعدم ذكره في السورة التي سرد فيها ذكر الرسل المشهورين كهود ومريم والأنبياء والشعراء والصافات وص والقمر . ويؤيده بالنص الصريح حديث الشفاعة المتفق عليه من حديث أنس بن مالك وأبي هريرة والأول أصرح قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك فيقولون : لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا ! فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا . . فيقول لهم آدم : لست هناكم - ويذكر ذنبه الذي أصابه فيستحي من ربه عز وجل - ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى الأرض ، فيأتون نوحا " إلخ وفي حديث أبي هريرة أنهم يقولون له " يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض " الحديث وهو معروف مشهور ، وفيه أن كل رسول من أولي العزم - وهم على الراجح المشهور نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم كان يدفعهم إلى من بعده حتى إذا انتهوا إلى الخاتم كان هو الشافع المشفع .

التالي السابق


الخدمات العلمية