1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة الأعراف
  4. تفسير قوله تعالى ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين
صفحة جزء
( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ادعى اللعين أنه ناصح لهما فيما رغبهما فيه من الأكل من الشجرة . ولما كان محل الظنة في نصحه عندهما ؛ لأنه تعالى أخبرهما بأنه عدو لهما . أكد دعواه بأشد المؤكدات وأغلظها ، وهي القسم وإن واللام وتقديم ( لكما ) على متعلقه الدال على الحصر . وكان الظاهر أن يقال : وأقسم لهما ؛ فإن المقاسمة تدل على المشاركة كقاسمه المال ، أي أخذ كل منهما قسما ، وللمفسرين في الصيغة قولان : أحدهما أن صيغة فاعل وردت للمفرد كثيرا وهذا منها فمعناه : وحلف لهما ، واستشهد له ابن جرير بقول خالد بن زهير :


وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها



والقول الثاني : أنها على أصلها ووجهوه بوجوه لا دليل عليها كقولهم : إنهما أقسما له أنهما يقبلان نصيحته إذا أقسم أنه ناصح : وقولهم : إنهما طلبا منه القسم فجعل طلبهما القسم كالقسم ، وإنما يعلم مثل هذا بالنقل عن المعصوم ، ولو قيل إنه هو الذي عرض عليهما أن يقسم لهما وطلب منهما أن يقسما له وبنى قسمه على ذلك لكان أقرب إلى المألوف .

( فدلاهما بغرور ) دلى الشيء تدلية - أرسله إلى الأسفل رويدا رويدا لأن في الصيغة معنى التدريج أو التكثير - أي فما زال يخدعهما بالترغيب في الأكل من الشجرة ، والقسم على أنه ناصح بذلك لهما به حتى أسقطهما وحطهما عما كانا عليه من سلامة الفطرة وطاعة الفاطر بما غرهما به ، والغرور الخداع بالباطل ، وهو مأخوذ من الغرة ( بالكسر ) والغرارة ( بالفتح ) وهم بمعنى الغفلة وعدم التجربة كما حققناه بالتفصيل في تفسير [ ص: 311 ] ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) ( 6 : 112 ) واستشهدنا عليه بخداع الشيطان لآدم وحواء في مسألتنا وقيل : دلاهما حال كونهما متلبسين بغرور ، والأول أظهر . والظاهر أنهما اغترا وانخدعا بقسمه وصدقا قوله لاعتقادهما أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا ، واستنكر بعضهم أن يكونا صدقاه واستكبر أن يقع ذلك منهما ، وزعم أن تصديقه كفر ، ورجح هؤلاء أن يكون الغرور بتزيين الشهوة ، فإن من غرائز البشر حب التجربة واستكشاف المجهول ، والرغبة في الممنوع ، فجاء الوسواس نافخا في نار هذه الشهوات الغريزية مذكيا لها ، مثيرا للنفس بها إلى مخالفة النهي ، حتى نسي آدم عهد ربه ، ولم يكن له من العزم ما يصرفه عن متابعة امرأته ، ويعتصم به من تأثير شيطانه ، كما قال تعالى في سورة طه : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) ( 20 : 115 ) وفي حديث أبي هريرة في الصحيح " ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها " بناء على أنها هي التي زينت له الأكل من الشجرة ، والمراد أن المرأة فطرت على تزيين ما تشتهيه للرجل ولو بالخيانة له ، وقيل : إن ذلك بنزع العرق أي الوراثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية