1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة الأعراف
  4. تفسير قوله تعالى يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير
صفحة جزء
( إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) أي قد مضت سنتنا في التناسب بين أنواع المخلوقات المتجانسة والمتشاكلة ، أن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن أولياء لشرار الإنس ، [ ص: 331 ] وهم الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله إيمان إذعان بحيث يهتدون بوحيه ويزكون أنفسهم بعبادته وآدابه حتى يبعد التناسب والتجانس بينهما . فهذا الجعل لا يدل على ما يدعيه الجبرية ، وإسناده إلى الله تعالى لا يقتضي أنه جعله خارجا عن نظام الأسباب والمسببات ونتائج الأعمال الاختيارية التي تسند إلى مكتسبيها باعتبار صدورها عنهم ، وإلى الخالق تعالى باعتبار خلقه وتقديره لذلك في نظام الكون وسننه ، وقد أسند هذه الولاية إلى مكتسبيها بمزاولة أسبابها في قوله الآتي قريبا : ( إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) ( 30 ) فاكتساب الكفار لولاية الشياطين باستعدادهم لقبول وسوستهم وإغوائهم ، وعدم احتراسهم من الخواطر الباطلة أو الشريرة من لمتهم ، كاكتساب ضعفاء البنية للأمراض باستعدادهم لها ، وعدم احتراسهم من أسبابها ، كالقذارة وتناول الأطعمة والأشربة الفاسدة أو القابلة للفساد بما فيها من جراثيم تلك الأمراض - كما تقدم شرحه آنفا - فأولياء الشيطان هم أصحاب الوساوس والأوهام والخرافات والطغيان ، والكفر والفسوق والعصيان ، والمتولون لقرنائه من أهل الطاغوت والدجل والنفاق كما يؤخذ من عدة آيات . وقد كانوا في الجاهلية يعبدون الجن والشياطين ، لا بطاعتهم في وسوستهم فقط ، بل كان منهم من يستعيذ بهم كما يستعيذ المؤمنون بالله كما قال تعالى : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) ( 72 : 6 ) وكانوا يتقربون إليهم بما يظنون أنه يعطفهم عليهم فيمنع ضررهم أو يحملهم على نفعهم ، كما يتقرب إليهم الدجالون بما يظنون أنه يعطفهم عليهم فيمنع ضررهم أو يحملهم على نفعهم ، كما يتقرب إليهم الدجالون اليوم بالبخور والعزائم والاستغاثة ، وكل ذلك عبادة تدخل في قوله تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) ( 36 : 60 ، 61 ) وقد اشتهر أن بعض الدجالين يتقرب إلى الشياطين بكتابة شيء من القرآن وشده على عورته ، وهذا من أقبح أنواع الكفر وأسفلها ، فهل يليق بالمؤمن الذي يتولى الله ورسوله أن يلجأ إلى أحد من هؤلاء الدجالين في مصالحه يرجو منه نفعا أو دفع ضر .

وجملة القول : أن الله تعالى فضل الإنس على الجن وجعلهم أرقى منهم ، ولو كانوا يرون المكلفين منهم كالشياطين لتصرفوا فيهم كما يتصرفون بجنة الهوام وميكروبات الأمراض - وفاقا لقول الحبر ابن عباس رضي الله عنه أن خوفهم منا أشد من خوفنا منهم - والوسوسة منهم تكون على قدر استعدادنا لقبولها فذنبها علينا . وما يذكره الناس من ضررهم وصرعهم فأكثره كذب ودجل والنادر لا حكم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية