صفحة جزء
[ ص: 9 ] ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين المعنى لمادة ( الفتح ) كما حققه الراغب : إزالة الإغلاق والإشكال ، وهو ضربان : أحدهما : ما يدرك بالبصر كفتح العين والقفل والغلق والمتاع من صندوق وغرارة وخرج وعلبة ، والثاني : هو ما يدرك بالبصيرة كفتح أبواب الرزق ، والمغلق من مسائل العلم ، والمبهم من قضايا الحكم ، والنصر في وقائع الحرب ، وفي آيات القرآن استعمالات من الضربين كليهما ، ولك أن تقسمه إلى حسي ومعنوي ، ومن الأول : الفتح الذي يكون بالكلام كحكم القاضي ، وفتح المأموم على الإمام في الصلاة ، وهو أن يقرأ الآية التي أخطأ فيها أو وقف عن القراءة ناسيا لما بقي منها ، وإلى حقيقي ومجازي ، ومن مجاز الأساس : فتح على فلان إذا جد وأقبلت عليه الدنيا ، وفتح الله عليه : نصره ، وفتح الحاكم بينهم ، وما أحسن فتاحته ؛ أي : حكمه ، قال :

ألا أبلغ بني وهب رسولا بأني عن فتحاتهم غني

وبينهم فتاحات ؛ أي : خصومات ، وفلان ولي الفتاحة - بالكسر - وهي ولاية القضاء ، وفاتحه : حاكمه ، وعن ابن عباس : ما كنت أدري ما قوله تعالى : ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي يزن ، تقول لزوجها : تعالى أفاتحك ، وقالت أعرابية لزوجها : بيني وبينك الفتاح ا هـ ، وأثر ابن عباس أخرجه قدماء التفسير المأثور ، وابن الأنباري في الوقف والابتداء ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وفسر المفاتحة فيه بالمقاضاة ، وهو يدل لغة على أنها ليست قرشية بهذا المعنى ، ويؤيد ما روي عن السدي من أنها يمانية ، وخصها بعضهم بالحميرية ، وذو يزن من أسمائهم ، والمناسب أن كل فتح بين فريقين فهو بمعنى الحكم والفصل بينهما إما بالقول والفعل أو بأحدهما ، ومنه النصر ، ومن الآيات فيه : قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ( 34 : 26 ) ومنها حكاية عن نوح عليه السلام : فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين ( 26 : 118 ) وهذا عين مراد شعيب عليه السلام في دعائه الملاقي لإنذاره قبله بقوله : حتى يحكم الله ( 7 : 87 ) إلخ .

والمعنى : ربنا احكم وافصل بيننا وبين قومنا بالحق الذي مضت به سنتك في التنازع بين المرسلين والكافرين ، وبين سائر المحققين المصلحين والمبطلين المفسدين في الأرض ، وأنت خير الحاكمين ؛ لإحاطة علمك بما يقع في التخاصم ، وتنزهك عن الظلم ، واتباع الهوى في الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية