صفحة جزء
[ ص: 199 ] ( فصل في بيان بشارات التوراة والإنجيل وغيرهما ) بنبينا - صلى الله عليه وسلم -

اعلم أنه قد سبق لنا ذكر بشارات كتب أنبياء بني إسرائيل بنبينا - صلى الله عليه وسلم - في مواضع من هذا التفسير ، بعضها بالإجمال ، وبعضها بشيء من التفصيل ، وفي مواضع من المنار كما يعلم من فهارسهما ، ونريد هنا أن نفصل القول في ذلك تفصيلا كافيا ؛ لأنه هو المكان المناسب له أتم المناسبة ، فنقول :

كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يتناقلون خبر بعثته - صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم ويذكرون البشارات به من كتبهم ، حتى إذا ما بعثه الله - تعالى - بالهدى ودين الحق آمن به كثيرون ، وكان علماؤهم يصرحون بذلك كعبد الله بن سلام وأصحابه من علماء اليهود ، وتميم الداري من علماء النصارى ، وغيرهم الذين أسلموا في عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنهم - ، والروايات في هذه كثيرة ، ومن أعجبها قصة سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وأما الذين أبوا واستكبروا فكانوا يكتمون البشارات به في كتبهم . ويؤولون ما بقي منها لمن اطلع عليه ، ويكتمونه عمن لم يطلع عليه ، وقد أربى المتأخرون ولا سيما الإفرنج منهم على المتقدمين في المكابرة والتأويل والتضليل ؛ لذلك وضح العلامة المحقق الشيخ رحمة الله الهندي هذه المسألة في كتابه ( إظهار الحق ) بأمور جعلها مقدمات لبشارات تلك الكتب به - صلى الله عليه وسلم - فرأينا أن نقتبسها بنصها . قال - رحمه الله تعالى - في سياق مسالك الاستدلال على نبوته - صلى الله عليه وسلم - ما نصه : ( المسلك السادس )

أخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته - عليه السلام - . ولما كان القسيسون يغلطون العوام في هذا الباب تغليطا عظيما ، استحسنت أن أقدم على نقل تلك الأخبار أمورا ثمانية تفيد الناظر بصيرة .

الأمر الأول

إن الأنبياء الإسرائيلية مثل : أشعيا وأرميا ودانيال وحزقيال وعيسى عليهم السلام أخبروا عن الحوادث الآتية ، كحادثة بخت نصر ، وقورش والإسكندر وخلفائه . وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل ، ويبعد كل البعد ألا يخبر أحد منهم عن خروج محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول ، ثم صار شجرة عظيمة تنأوي طيور السماء في أغصانها ، فكسر الجبابرة والأكاسرة ، وبلغ دينه شرقا وغربا ، وغلب الأديان وامتد دهرا بحيث مضى على ظهوره مدة ألف ومائتين وثمانين إلى هذا الحين ، ويمتد إن [ ص: 200 ] شاء الله إلى آخر بقاء الدنيا . وظهر في أمته ألوف من العلماء الربانيين ، والحكماء المتقنين والأولياء ذوي الكرامات والمجاهدات ، والسلاطين العظام . وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث وما كانت أقل من حادثة أرض أدوم ونينوى وغيرهما ، فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الأخبار عن هذه الحادثة العظيمة ! ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية