صفحة جزء
( الأمر الثامن )

إن بولس وإن كان عند أهل التثليث في رتبة الحواريين لكنه غير مقبول عندنا ، ولا نعده من المؤمنين الصادقين ، بل من المنافقين الكذابين ومعلمي الزور والرسل الخداعين الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح كما عرفت في الأمر الرابع ، وهو الذي خرب الدين المسيحي ، وأباح كل محرم لمعتقديه ، وكان في ابتداء الأمر مؤذيا للطبقة الأولى من المسيحيين جهرا ، لكنه لما رأى هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعا معتدا به ؛ دخل على سبيل النفاق في هذه الملة ، وادعى رسالة المسيح ، وأظهر الزهد الظاهري ، ففعل في هذا الحجاب ما فعل ، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري ، ولأجل إفراغ ذمتهم من جميع التكاليف الشرعية ، كما قبل أناس كثيرون من المسيحيين في القرن الثاني " منتش " الذي كان زاهدا مرتاضا ، وادعى أنه هو الفارقليط الموعود به ، فقبلوه لأجل زهده ورياضته كما سيجيء ذكره في البشارة الثامنة عشرة ، ورده المحققون من علماء الإسلام سلفا وخلفا .

قال الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه في حق بولس هذا مجيبا لبعض القسيسين في بحث مسألة الصوم هكذا : " قلنا ذلك - أي : بولس - هو الذي أفسد عليكم أديانكم ، وأعمى بصائركم وأذهانكم ، ذلك هو الذي غير دين المسيح الصحيح ، الذي لم تسمعوا له بخبر ، ولا وقفتم منه على أثر ، هو الذي صرفكم عن القبلة ، وحلل لكم كل محرم كان في الملة ؛ ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها بينكم " انتهى كلامه بلفظه .

وقال صاحب ( تخجيل من حرف الإنجيل ) في الباب التاسع من كتابه في بيان فضائح النصارى في حق بولس هذا هكذا " وقد سلهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه ؛ إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها ، وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة " انتهى كلامه بلفظه ، وهكذا أقوال علمائنا الآخرين . فكلامه عندما مردود ورسائله المنضمة بالعهد العتيق [ ص: 216 ] كلها واجبة الرد ، ولا نشتري قوله بحبة خردل ، فلا أنقل عن أقواله في هذا المسلك شيئا ولا يكون قوله حجة علينا .

وإذ قد عرفت هذه الأمور الثمانية أقول : إن الأخبار الواقعة في حق محمد - صلى الله عليه وسلم - توجد كثيرة إلى الآن أيضا مع وقوع التحريفات في هذه الكتب ، ومن عرف أولا طريق إخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر على ما عرفت في الأمر الثاني ثم نظر ثانيا بنظر الإنصاف إلى هذه الأخبار ، وقابلها بالأخبار التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى - عليه السلام - وقد عرفت نبذا منها في الأمر السادس - جزم بأن الأخبار المحمدية في غاية القوة ، وأنقل في هذا المسلك عن الكتب المعتبرة عند علماء بروتستنت ثماني عشرة بشارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية