صفحة جزء
[ ص: 70 ] وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة ، والبسملة منها

في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة أحاديث قولية صحيحة صريحة ، وجرى عليها العمل من أول الإسلام إلى اليوم ، وإن تنازع بعض أهل الخلاف والجدل في تسمية هذا الواجب فرضا وعده شرطا ، وأصح ما ورد وأصرحه فيه ما رواه الجماعة كلهم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناد صحيح ( لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وهو تفسير للفظ الجماعة ، فإن نفي الصلاة فيه نفي صحتها ووجهه : أن الحقيقة المؤلفة من عدة أركان ذاتية تنتفي بانتفاء ركن منها ، كقولك : لا وضوء لمن لم يغسل يديه إلى المرفقين ، وقد أجمع المسلمون على العمل بهذا ، فلم يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه وأصحابه ولا التابعون ولا غيرهم من الخلفاء وأئمة العلم صلاة بدون قراءة الفاتحة فيها ، وإنما بحث الحنفية في تسمية قراءتها فرضا وعدها ركنا بناء على اصطلاحات لهم ردها الجمهور بأدلة صحيحة لا محل لتلخيصها هنا وأجابوا عن شبهاتهم النقلية بأجوبة سديدة ، وأقواها قوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته : " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " قالوا في الجواب عنه : إنه ثبت رواية أخرى أنه قال له : " ثم اقرأ بأم القرآن " فهذا مفسر لما تيسر من القرآن ، وأن الفاتحة هي التي كانت متيسرة لجميع المسلمين ، لأنهم كانوا يلقنونها كل من يدخل في الإسلام ، وقال بعضهم : المراد بما يتيسر منه هنا ما زاد عن الفاتحة ، وفي البخاري عن أبي قتادة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة " والأحاديث المصرحة بأنه كان يقرأ في الركعة الأولى أم القرآن وسورة كذا ، وفي الثانية بعد أم القرآن كذا في صلاة كذا ، كثيرة .

وأما كون البسملة آية في الفاتحة ، فأقوى الحجج المثبتة له : كتابتها في المصحف الإمام الرسمي الذي وزع نسخه الخليفة الثالث على الأمصار برأي الصحابة وأجمعت عليه الأمة ، وكذا جميع المصاحف المتواترة إلى اليوم ، والخط حجة عليه ، كما قال العلامة العضد ، وعليه جميع شعوب العلم والمدنية في هذا العصر ، لا حجة عندهم أقوى من حجة الكتابة الرسمية ، ثم إجماع القراء على قراءتها في أول الفاتحة . وإن زعم بعضهم أنها آية مستقلة ، فإن هذا رأي ، والعبرة بالعمل ، وهو إذا كان عاما مطردا من أقوى الحجج . على أن تواترها عن واحد منهم تقوم به الحجة على باقيهم وعلى سائر الناس ، فإنه إثبات بالتواتر لا يعارضه نفي ما . وقد كنا ذكرنا هذه المسألة وآراء أهل الخلاف فيها ونزيدها إيضاحا فنقول :

وقد وردت أحاديث آحادية في إثبات ذلك ونفيه ترتب عليها اختلاف الفقهاء الذين جعلوا المسألة مسألة مذاهب ، ينصر كل حزب منهم أهل المذهب الذي ينسبون إليه [ ص: 71 ] ( كل حزب بما لديهم فرحون ) ولولا ذلك لاتفقوا ؛ لأن لإثبات البسملة في أول الفاتحة في جميع المصاحف المجمع عليها المتواترة حجة قطعية لا تعارض بأحاديث الآحاد وإن صح سندها .

وأصرح الأحاديث التي استدلوا بها على كون البسملة ليست آية من الفاتحة ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج " يقولها ثلاثا - أي كلمة " فهي خداج " أي ناقصة غير تامة كالناقة تلد لغير التمام - فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ؟ فقال : اقرأ بها في نفسك ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله - عز وجل - : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله : حمدني عبدي ، فإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله : أثنى علي عبدي . فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال : مجدني عبدي . وقال مرة : فوض إلي عبدي . وإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية