صفحة جزء
أشراط الساعة وأماراتها :

إن للساعة أشراطا ثبتت في الكتاب والسنة ، قال تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( 47 : 18 ) الأشراط جمع شرط بفتحتين ، كأسباب جمع سبب ، وهي العلامات والأمارات الدالة على قربها وأعظمها بعثة خاتم النبيين ، بآخر هداية الوحي الإلهي للناس أجمعين ; لأن بعثته - صلى الله عليه وسلم - قد كمل بها الدين ، كما قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم ( 5 : 3 ) وبكماله تكمل الحياة [ ص: 404 ] البشرية الروحية ، ويتلوها كمال الحياة البشرية المادية ، وما بعد الكمال إلا الزوال ; لأن البقاء في هذا العالم محال . وقد ورد أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - نبي الساعة وتقدم حديث الصحيحين بعثت أنا والساعة كهاتين وقد وردت أحاديث أخرى في أشراط الساعة يدل بعضها على أن الشهوات المادية تتنازع مع الهداية الروحية ، فيكون لها الغلب زمنا ثم تنتصر الهداية الروحية زمنا قصيرا ، ثم يغلب الضلال والشر والفجور والكفر ، حتى تقوم الساعة على شرار الخلق ، ولكن في هذه الأحاديث اختلافا وتعارضا ، وما ينافي حكمة الله تعالى في إخفائها ، وعدم اطلاع الخلق على وقتها ، وبعضها ظاهر في قرب قيام ساعة دولة العرب أو دولة الإسلام .

ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في إقبال الدنيا وسعتها من أمارات الساعة حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وفيه أن جبريل عليه السلام لما جاء في صفة رجل غريب ، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان; ليعلم الصحابة - رضي الله عنهم - كيف يسألون عن دينهم - ثم سأله عن الساعة قال " فأخبرني عن الساعة ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، قال : فأخبرني عن أمارتها . قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " وروى هذا السؤال وحده ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبي هريرة قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال : يا رسول الله متى الساعة ؟ فقال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من أشراطها ، وإذا كانت الحفاة العراة رعاء الشاء رؤوس الناس فذاك من أشراطها ، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذاك من أشراطها " قيل : معنى ولادة الأمة ربتها كثرة السراري وأولاد السبايا - وكان لهذا طور عظيم في الفتوحات الإسلامية - وقيل : معناه أن الملوك والأمراء يكونون من أولاد السراري لا من أولاد بنات البيوتات العريقة في حسن التربية وعلو الأخلاق ، والمراد بصيرورة رعاء ( بالهمزة ) أي رعاة الغنم وأهل البداوة من أصحاب الثروة والبذخ والقصور العالية ، أن يكون من هذه الطبقة رؤساء للناس كما في حديث أبي هريرة ، وهذا قد ظهر أيضا في أمتنا وفي غيرها من الأمم ، وصار بعض تسود هذه الطبقة وأمثالهم في هذا العصر معدودا في مناقبه بعد فساد تربية كثير من أسر الأشراف والنبلاء واستعلائهم على الناس بالباطل ، وكان هذا من أمارات زوال الدولة العربية أو الإسلامية ، فهو يظهر في علامات الساعة الخاصة لا العامة .

وأجمع الأحاديث الصحيحة السند فيما يكون قبل الساعة ما رواه البخاري من حديث [ ص: 405 ] أبي هريرة ، وروى هو وغيره ما ذكر فيه في أحاديث أخرى مفصلة وهذا نصه عن أبي هريرة مرفوعا .

" لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتها واحدة ، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله ، وحتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان وتظهر [ ص: 406 ] الفتن ، ويكثر الهرج وهو القتل ، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، وحتى يتطاول الناس في البنيان ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه ، وحتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ( 6 : 158 ) ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " وتقدم تفسير هذه الجمل الأخيرة .

[ ص: 407 ] وفي الأحاديث أشراط وأمارات أخرى بعضها صار عاديا ، وبعضها غريبا ، ويقول علماؤنا إن منه ما وقع ، وباقيه يتوقع ، وفيها تعارض وتناقض ومشكلات حار العلماء في الجمع بينها ، وإنني أتكلم عنه كلاما إجماليا عاما ، وأبسط الكلام في أهمها بسطا خاصا ، ولا سيما أحاديث الدجال والمهدي ، فألق له السمع ووجه إليه النظر ، فهو يجلي العبرة لمن اعتبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية