صفحة جزء
( نظرة في أشراط الساعة وتقاسيمها ومشكلاتها )

اعلم أيها المسلم الذي يجب أن يكون على بصيرة من دينه ، أن في روايات الفتن وأشراط الساعة من المشكلات والتعارض ما ينبغي لك أن تعرفه ولو إجمالا ، حتى لا تكون مقلدا لمن يظنون أن كل ما يعتمده أصحاب النقل حق ، ولا لمن يظنون أن كل ما يقوله أصحاب النظريات العقلية حق ، فإن الله تعالى يقول : فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( 39 : 17 ، 18 ) الآية . وقال لخاتم رسله - صلى الله عليه وسلم - : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ( 12 : 108 ) وإنني أبين فيه ما يطمئن به قلب القانع بالإجماع ، ويفتح باب التحقيق لطالب التفصيل ، فأقول : إن العلماء جعلوا ما روي من أشراط الساعة وأماراتها ثلاثة أقسام : ما وقع بالفعل منذ قرون خلت إلى زمن كل من تكلم في ذلك منهم ، وقد عدوه عدا - وما وقع بعضه وهو لا يزال في ازدياد كالفتن والفسوق وكثرة الزنا وكثرة الدجالين وكثرة النساء وتشبههن بالرجال والكفر والشرك حتى في بلاد العرب ، وما سيقع بين يدي الساعة من العلامات الصغرى والكبرى - ومن الأولى قتال اليهود وفتح بيت المقدس والقسطنطينية .

وتنقسم باعتبار آخر إلى ما عهد ويعهد مثله في كل الأمم من الفتن والقتال وسعة الدنيا وضيقها ، وقيام الدول وسقوطها ، والفسق من زنا ولواط وسكر ، إلخ . والأوبئة والزلازل وهذا لا يشعر جماهير الناس بأن له علاقة ما بقيام الساعة الكبرى ، وإلى ما هو غريب غير مألوف كظهور يأجوج ومأجوج والدجال والمهدي والمسيح وطلوع الشمس من مغربها ، وأما الزلازل والخسوف وظهور النجوم ذوات الأذناب أو الأذيال ، فقد صارت من الأمور المعتادة المعروفة بين الناس .

وباعتبار ثالث إلى ما هو علامة على قيام ساعة الجيل أو الدولة ، كذهاب الأمانة وتوسيد الأمر إلى غير أهله ، وما هو آية على قرب الساعة العامة الكبرى .

ويرد من الإشكال على ما ذكر أن ما ورد من الأشراط الصغرى المعتاد مثلها ، التي تقع عادة بالتدريج لا يذكر بقيام الساعة ، ولا تحصل به الفائدة التي من أجلها أخبر الشارع بقرب قيام الساعة - وأن ما ورد من الأشراط الكبرى الخارقة للعادة يضع العالم به في مأمن من قيام الساعة قبل وقوعها كلها ، فهو مانع من حصول تلك الفائدة ، فالمسلمون المنتظرون لها يعلمون [ ص: 408 ] أن لها أشراطا تقع بالتدريج ، فهم آمنون من مجيئها بغتة في كل زمن ، وإنما ينتظرون قبلها ظهور الدجال والمهدي والمسيح عليه السلام ويأجوج ومأجوج ، وهذا الاعتقاد لا يفيد الناس موعظة ولا خشية ، ولا استعدادا لذلك اليوم أو لتلك الساعة ، فما فائدة العلم به إذا ؟ وهل من الحكمة أن تكون فائدتها محصورة في وقوع الرعب في قلوب الذين يشاهدون هذه الآيات الكبرى ، ولا سيما آخر آية منها ؟ وكيف يتفق هذا وما ورد من كون كل رسول كان يخوف قومه وينذرهم الساعة والدجال قبلها ؟ وكيف وقع هذا منهم ولم يصدقه الواقع ومثله لا يكون بمحض الرأي ؟ وهل كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يريد بالإخبار بها تأمين الناس من قيام الساعة مدة قرون كثيرة إلى أن تظهر هذه الأشراط ؟ أم كان يتوقع ظهورها بعده في قرنه أو فيما يقرب منه كغيره من الرسل بدليل ما ورد من تجويزه ظهور الدجال في زمنه ، وتصديقه ما حكاه تميم الداري من خبر الجساسة ، وكون الدجال محبوسا في جزيرة ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية