1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة التوبة
  4. تفسير قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل
صفحة جزء
( 3 ) توزيع الصدقات على الأصناف كلهم أو بعضهم

قال القاضي أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد في بحث من تجب له الصدقة من كتابه ( بداية المجتهد ) ما نصه : فأما عددهم فهم الثمانية الذين نص عليهم في قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية . واختلفوا من العدد في مسألتين : ( إحداهما ) هل يجوز أن تصرف جميع الصدقة إلى صنف واحد من هؤلاء الأصناف ؟ أم هم شركاء في الصدقة لا يجوز أن يخص بها صنف [ ص: 440 ] دون صنف ؟ فذهب مالك وأبو حنيفة أنه يجوز للإمام أن يصرفها في صنف واحد أو أكثر من صنف واحد إذا رأى ذلك بحسب الحاجة . وقال الشافعي : لا يجوز ذلك بل يقسم على الأصناف الثمانية كما سمى الله تعالى .

وسبب اختلافهم معارضة اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة ، إذ كان المقصود بها سد الخلة ، فكان تعديدهم في الآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس - أعني أهل الصدقات - لا تشريكهم في الصدقة . فالأول أظهر من جهة اللفظ ، وهذا أظهر من جهة المعنى . ومن الحجة للشافعي ما رواه أبو داود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعطيه من الصدقة ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك اهـ . ثم ذكر المسألة الثانية وهي الاختلاف في المؤلفة قلوبهم وقد تقدمت .

وأقول : إن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد أطال في مسألة وجوب تعميم ما يوجد من الأصناف في كتابه " الأم " في فصول كثيرة ، وقد بين النووي المذهب فيها والقائلين بالتعميم والمخالفين فيه من السلف وعلماء الأمصار في شرح المهذب . قال : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله . إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله سقط نصيب العامل ، ووجب صرفها إلى الأصناف السبعة الباقين إن وجدوا وإلا فالموجود منهم ، ولا يجوز ترك صنف منهم مع وجوده ، فإن تركه ضمن نصيبه ، وهذا لاختلاف فيه إلا ما سيأتي إن شاء الله تعالى في المؤلفة قلوبهم ، وبمذهبنا في استيعاب الأصناف قال عكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وداود .

وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد : له صرفها إلى صنف واحد ، قال ابن المنذر وغيره وروي هذا عن حذيفة وابن عباس ، قال أبو حنيفة ، وله صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف قال مالك ويصرفها إلى أمسهم حاجة ، وقال إبراهيم النخعي : إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف وإلا وجب استيعاب الأصناف . قالوا ومعناها ( أي آية الصدقات ) لا يجوز صرفها إلى غير هذه الأصناف وهو فيهم مخيرا اهـ ثم ذكر ما يجب على الإمام أو نائبه من ذلك ولا حاجة إلى نقله .

أقول : إن خلاف السلف وأئمة الأمصار في المسألة يدل على أنه لم يسبق فيها سنة عملية مجمع عليها من عهد الرسول ، ولا من خلفائه الراشدين ، فدل هذا على أنهم كانوا يرونها من المصالح [ ص: 441 ] التي يترجح فيها العمل بما يراه أولو الأمر في درجة الاستحقاق وقلة المال وكثرته من الصدقات ، وفي بيت المال ، وأقرب أقوال الأئمة في مراعاة المصلحة قول مالك وإبراهيم النخعي ، وأبعدها عن المصلحة والنص جميعا قول أبي حنيفة : إلا إذا كان المال قليلا جدا إذا أعطاها واحدا انتفع به ، وإذا وزعه على من يوجد من الأصناف أو على أفراد صنف واحد كالفقراء لم يصب أحدا منهم ماله موقعا من كفايته . وأما جواز إعطاء المال الكثير إلى واحد من المستحقين من صنف واحد فلا وجه له ولا شبهة ، والله تعالى قد ذكر أصنافا بصيغة الجمع فلا يمكن أن يقول أبو حنيفة ، ولا من دونه علما وفهما . إن إعطاء واحد من صنف واحد يعد امتثالا لأمر الله وعملا بكتابه .

وينبغي لجماعة الشورى من أهل الحل والعقد أن يضعوا في كل عصر وقطر نظاما لتقديم الأهم فالأهم إذا لم تكف الصدقات الجميع ؛ ليمنعوا السلاطين والأمراء من التصرف فيها بأهوائهم ، وذلك أن بعض الأصناف يوجد في بعض الأزمنة والأمكنة دون بعض ، كما أن درجات الحاجية تختلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية