1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة التوبة
  4. تفسير قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل
صفحة جزء
( 6 ) التزام أداء الزكاة كاف لإعادة مجد الإسلام :

المال قوام الحياة الاجتماعية والملية أو ملاكها وقيام نظامها كما قال الله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ( 4 : 5 ) إن الإسلام يمتاز على جميع الأديان والشرائع بفرض الزكاة فيه ، كما يعترف له بهذا حكماء جميع الأمم وعقلاؤها ، ولو أقام المسلمون هذا الركن من دينهم لما وجد فيهم - بعد أن كثرهم الله ، ووسع عليهم في الرزق - فقير مدقع ، ولا ذو غرم مفجع ، ولكن أكثرهم تركوا هذه الفريضة فجنوا على دينهم وملتهم وأمتهم فصاروا أسوأ من جميع الأمم حالا في مصالحهم الملية والسياسية ، حتى فقدوا ملكهم وعزهم وشرفهم النصرانية ، وصاروا عالة على أهل الملل الأخرى حتى في تربية أبنائهم وبناتهم ، فهم يلقونهم في مدارس دعاة أو دعاة الإلحاد فيفسدون عليهم دينهم ودنياهم ، ويقطعون روابطهم الملية والجنسية ، ويعدونهم ليكونوا عبيدا أذلة للأجانب عنهم . وإذا قيل لهم : لماذا لا تؤسسون لأنفسكم مدارس [ ص: 444 ] كمدارس هؤلاء الرهبان والمبشرين ؟ أو الملاحدة الإباحيين ؟ قالوا : إننا لا نجد من المال ما يقوم بذلك . وإنما الحق أنهم لا يجدون من الدين والعقل وعلو الهمة والغيرة ما يمكنهم من ذلك ، فهم يرون أبناء الملل الأخرى يبذلون للمدارس وللجمعيات الخيرية والسياسية مالا لم يوجبه عليهم دينهم ، وإنما أوجبته عليهم عقولهم وغيرتهم الملية والقومية ولا يغارون منهم ، وإنما يرضون أن يكونوا عالة عليهم . تركوا دينهم ، فضاعت له دنياهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( 59 : 19 ) .

فالواجب على دعاة الإصلاح فيهم أن يبدءوا بإصلاح من بقي فيه بقية من الدين والشرف بتأليف جمعية لتنظيم جمع الزكاة منهم ، وصرفها قبل كل شيء في مصالح المرتبطين بهذه الجمعية دون غيرهم ، ويجب أن يراعى في نظام هذه الجمعية أن لسهم المؤلفة قلوبهم مصرفا في مقاومة الردة والإلحاد ، وأن لسهم فك الرقاب مصرفا في تحرير الشعوب المستعمرة من الاستعباد إذا لم يكن له مصرف تحرير الأفراد ، وأن لسهم سبيل الله مصرفا في السعي لإعادة حكم الإسلام ، وهو أهم من الجهاد لحفظه في حال وجوده من عدوان الكفار ، ومصرفا آخر في الدعوة إليه ، والدفاع عنه بالألسنة والأقلام ، إذا تعذر الدفاع عنه بالسيوف والأسنة وبألسنة النيران .

ألا إن إيتاء المسلمين أو أكثرهم للزكاة وصرفها بالنظام ، كاف لإعادة مجد الإسلام ، بل لإعادة ما سلبه الأجانب من دار الإسلام ، وإنقاذ المسلمين من رق الكفار ، وما هي إلا بذل العشر أو ربع العشر مما فضل عن حاجة الأغنياء . وإننا نرى الشعوب التي سادت المسلمين بعد أن كانوا سادتهم يبذلون أكثر من ذلك في سبيل أمتهم وهو غير مفروض عليهم من ربهم .

وقد كثر تساؤل أذكياء المسلمين عن إحياء فريضة الزكاة ، وقوي استعداد أهل الغيرة للقيام به في هذا العصر ، وكاد أهل الأهواء يستغلون هذا الاستعداد لمنافعهم ، فهل نجد من أهل الاستقامة من ينهض به نهضة تكون أهلا لأن يثق بها العالم الإسلامي ويعززها ، قبل أن يقطع عليهم المنافقون والأعداء طريقها ؟ .

طالما طالبنا العقلاء بالدعوة إلى هذا العمل الجليل ، وما زلنا نسوف انتظارا للأنصار الذين أشرنا إلى صفتهم ، وقد اضطررنا إلى التصريح بالاقتراح هنا قبل العثور عليهم . وسنعود إن شاء الله تعالى إلى بقيةفوائد الزكاة وحكمها وأحكامها في تفسير آية : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( 103 ) في أواخر هذه السورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية