صفحة جزء
فصل في إقامة الحجة على مثبتي الوحي ونفاته

( في إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - )

الكلام في الوحي لمحمد - صلى الله عليه وسلم - مع مثبتي الوحي :

أما الفريق الأول فهم أهل الكتاب ، وإن من اطلع على كتبهم المقدسة المعبر عنها بكتب العهدين العتيق والجديد ، وعلى القرآن وكتب السنة والسيرة المحمدية علم علما عقليا وجدانيا أنه لا يستطيع أحد أن يؤمن إيمانا علميا بأن تلك كتب وحي من الله ، وأن الذين كتبوها أنبياء معصومون فيما كتبوه ، ثم لا يؤمن بأن القرآن وحي من الله وأن محمدا نبي معصوم فيما بلغه عن الله تعالى ، كما لا يستطيع فقيه أن ينكر فقه أبي حنيفة والشافعي ، ولا نحوي أن يجحد نحو سيبويه وابن جني ، ولا شاعر أن ينفي شاعرية الرضي والبحتري ، بل كما لا يستطيع بصير أن يكابر حسه فيفضل نور القمر والكوكب على ضوء الشمس ، أو نور السراج على نور النهار ، ولله در البوصيري حيث قال :


الله أكبر إن دين محمد وكتابه أقوى وأقوم قيلا

    لا تذكروا الكتب السوالف عنده
طلع الصباح فأطفئ القنديلا



وقد صرح بهذا المعنى علماء الإفرنج الذين نشئوا في النصرانية وأحاطوا بها علما وخبرا ، ثم عرفوا الإسلام معرفة صحيحة ولو غير تامة . وهاك شهادة حديثة لعالم مستشرق منهم .

[ ص: 121 ] كتب الأستاذ إدوار مونتيه المستشرق مدرس اللغات الشرقية في مدرسة جنيف الجامعة في مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن ما ترجمته بالعربية .

( ( كان محمد نبيا صادقا كما كان أنبياء بني إسرائيل في القديم ، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحى إليه ، وكانت العقيدة الدينية وفكرة وجود الألوهية متمكنتين فيه كما كانتا متمكنتين في أولئك الأنبياء أسلافه ، فتحدث فيه كما كانت تحدث فيهم ذلك الإلهام النفسي ، وهذا التضاعف في الشخصية اللذين يحدثان في العقل البشري المرائي ، والتجليات ، والوحي ، والأحوال الروحية التي من بابها ) ) ا هـ .

فهذا العالم الأوربي المستقل الفكر يقول : إن كل ما كان به أنبياء بني إسرائيل أنبياء كان ثابتا لمحمد . ونحن نقول : إن جميع خصائص النبوة التي كانت فيه هي أكمل شكلا وموضوعا وأصح رواية وأبعد عن الشبهات كما سنوضحه ، وأما ما فسر به هذه الخصائص فهو التعليل الذي يعلل به الماديون الوحي المطلق ، وسنتكلم عليه في القسم الثاني من هذا الفصل .

وقد لخص هذا العالم خبر نزول الوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم - من كتب إسلامية مذعنا لصحة روايتها وفصلها بعده العالم المستشرق الفرنسي إميل درمنغام في كتابه ( حياة محمد ) مذعنا لصحة الرواية ولموضوعها مفصلا نبوته في إصلاح البشر ، متمنيا الاتفاق بين المسلمين والنصارى ، آسفا للشقاق بينهم .

وإننا ننقل هنا تعريف الوحي والنبوة والآيات ( العجائب ) عن أحد علماء الإفرنج الجامعين بين العلوم العصرية والدينية والتواريخ وهو الدكتور جورج بوست الشهير مؤلف كتاب ( قاموس الكتاب المقدس ) بالعربية ; ليبني عليها الباحث المستقل العقل حكمه في نبوة أنبياء بني إسرائيل ووحيهم ، ونبوة محمد رسول الله وخاتم النبيين ، والوحي الذي أنزل عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية