[ ص: 130 ] بحث في عجائب المسيح  عليه السلام 
أقول : إن 27 من عجائب 
المسيح  المذكورة شفاء مرضى ومجانين لابستهم الشياطين ، وثلاث منها إقامة موتى عقب موتهم ، وما بقي فمسألة الحبل به وتحويله الماء إلى خمر وسحب الشبكة في بحر الجليل ، وإشباع خمسة آلاف مرة وأربعة آلاف مرة أخرى ، وضرب التينة العقيمة بما أيبسها ، وقيامة 
المسيح  ، وصيد السمك والصعود . 
وإننا نلخص رواية الأناجيل لأهمها وهو إحياء الموتى ، ونذكر ما يقوله فيها منكرو العجائب 
الميت الأول شاب من مدينة 
نابين  كان محمولا في جنازة وأمه تبكي فاستوقف النعش ، وقال له : أيها الشاب لك أقول قم ; فجلس وابتدأ يتكلم ، فدفعه إلى أمه ، فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين : قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه ( لوقا 7 : 11 - 16 ) 
الثاني : صبية ماتت فقال له أبوها وكان رئيسا : ابنتي الآن ماتت لكن تعال فضع يدك عليها فتحيا . فجاء بيت الرئيس ووجد المزمرين والجمع يضجون فقال لهم ( ( تنحوا فإن الصبية لم تمت لكنها نائمة ) ) فضحكوا عليه ، فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها فقامت الصبية ( مت 9 : 18 - 24 ) . 
فمنكرو العجائب يقولون إن كلا من الشاب والشابة لم يكونا قد ماتا بالفعل ، وإن كثيرا من الناس في كل زمان قد قاموا من نعوشهم ، بل من قبورهم بعد أن ظن الناس أنهم ماتوا ، ولذلك تمنع الحكومات المدنية دفن الميت إلا بعد أن يكتب أحد الأطباء شهادة بموته . 
وللمؤمنين بالآيات أن يجزموا أيضا بأن الصبية لم تكن ميتة أخذا بظاهر قوله عليه السلام . 
وأما الثالث فهو ( ( 
ليعازر    ) ) حبيبه وأخو 
مرثا  ومريم  حبيبته : مرض في قريتهم ( ( 
بيت عنيا    ) ) فأرسلتا إلى 
المسيح  قائلتين : ( ( هو ذا الذي تحبه مريض ) ) فمكث يومين وحضر فوجد أنه مات منذ أربعة أيام فلاقته 
مرثا  وقالت : يا سيد لو كنت هنا لم يمت أخي ، ثم دعت أختها 
مريم  ، فلما رأته خرت عند رجليه قائلة كما قالت 
مرثا  ، وكانوا قد ذهبوا إلى عند القبر للبكاء ، فلما رآها تبكي 
واليهود  الذين جاءوا معها يبكون ( ( انزعج بالروح واضطرب ) ) وقال : ( ( أين وضعتموه ؟ ) ) فدلوه عليه فبكى وانزعج في نفسه وجاء إلى القبر وكان مغارة وقد وضع عليه حجر ، فأمر برفع الحجر فرفعوه ( ( ورفع 
يسوع  عينيه إلى فوق وقال : أيها الأب أشكرك لأنك سمعت لي ، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي ، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف ليؤمنوا أنك أرسلتني ) ) ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم ( ( 
لعازر    ! هلم خارجا ) ) فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطتان بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل ، فقال لهم 
يسوع    : حلوه ودعوه يذهب . انتهى . ملخصا من الفصل 11 من إنجيل 
يوحنا    .  
[ ص: 131 ] أتدري أيها القارئ ما يقول منكرو العجائب والآيات في هذه القصة على تقدير صحة الرواية ؟ إنني سمعت طبيبا سوريا بروتستنتيا يقول : إنها كانت بتواطؤ بينه وبين حبيبتيه وحبيبه لإقناع 
اليهود  بنبوته . وحاشاه عليه السلام . وإنما ننقل هذا لنبين أن 
النصارى  لا يستطيعون إقامة البرهان في هذا العصر على نبوة 
المسيح  فضلا عن ألوهيته بهذه الروايات التي تدل على النبوة وتنفي الألوهية ، كما فهم الذين شاهدوها ; لأنه ليس لها أسانيد متصلة إلى كاتبيها ، ولا دليل على عصمتهم من الخطأ في روايتها ، دع قول المنكرين باحتمال الاحتيال والتلبيس أو المصادقة فيها ، أو عدهم إياها على تقدير ثبوتها من فلتات الطبيعة . 
وإذا كان أعظمها وهو إحياء الميت يحتمل ما ذكروا من التأويل فما القول في شفاء المرضى وإخراج الشياطين الذي يكثر وقوع مثله في كل زمان ، والأطباء كلهم يقولون إن ما يدعي العوام من دخول الشياطين في أجساد الناس ما هو إلا أمراض عصبية تشفى بالمعالجة أو بالوهم والاعتقاد ودونها مسألة الخمر والسمك ويبس التينة .