صفحة جزء
فصل في الآيات الكونية التي أيد الله بها رسله

( وما يشبه بعضها من الكرامات ، وما يشتبه بها من خوارق العادات ، وضلال الماديين والخرافيين فيها )

تكلمنا في القسم الأول من هذا الحديث في آيات الأنبياء التي تسميها النصارى بالعجائب ، ويسميها علماء الكلام منا بالمعجزات ، ويعدونها قسما من خوارق العادات التي جعلوها عدة أقسام ، ونقول هنا كلمة وجيزة في إصلاح الإسلام لضلال البشر فيها ، والصعود بهم أعلى مراقي الإيمان ، اللائق بطور الرشد العقلي لنوع الإنسان ، والعلم الواسع بسنن الأكوان ، الذي منحوه برسالة محمد خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - ، فنقول :

آيات الله نوعان :

آيات الله تعالى في خلقه نوعان : ( النوع الأول ) الآيات الجارية على سننه تعالى في نظام الخلق والتكوين ، وهي أكثرها وأظهرها وأدلها على كمال قدرته وإرادته ، وإحاطة علمه وحكمته ، وسعة فضله ورحمته . ( والنوع الثاني ) الآيات الجارية على خلاف السنن [ ص: 184 ] المعروفة للبشر وهي أقلها ، وربما كانت أدلها عند أكثر الناس على اختياره عز وجل في جميع ما خلق وما يخلق ، وكون قدرته ومشيئته غير مقيدتين بسنن الخلق التي قام بها نظام الكون ، فالسنن مقتضى حكمته وإتقانه لكل شيء خلقه ، وقد يأتي بما يخالفها لحكمة أخرى من حكمه البالغة ، ولولا هذا الاختيار لكان العالم كالآلات التي تتحرك بنظام دقيق لا علم لها ولا إرادة ولا اختيار فيه . كآلة الساعة الصغيرة التي تعرف بها أوقات الليل والنهار ، وآلات البواخر والمعامل الكثيرة ، والماديون المنكرون لوجود الخالق والفلاسفة الذين يسمونه العلة الفاعلة للوجود يعبرون عن هذا النظام بنظرية ( الميكانيكية ) وهم يتكلفون اختراع العلل والأسباب لكل ما يرونه مخالفا لسننه المعروفة ، ويسمون هذه الأمور المخالفة لها بفلتات الطبيعة ، ويقيسون ما لم يظهر لهم تعليله على ما اقتنعوا بتعليل له وإن لم يقم عليه دليل يثبته ، ويقولون : إن ما لم يظهر لنا اليوم فلا بد أن يظهر لنا أو لمن بعدنا غدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية