( الخامسة : 
حجة الرسل على أقوامهم بإخلاصهم لله وعدم طلب أجر على عملهم   ) : 
هذه المسألة مكررة في القرآن ، ومن الشواهد عليها هنا حكاية عن 
نوح  قوله - تعالى - : - 
ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله   - 29 وتقدم عنه معناه في سورة يونس ، وسيأتي مثله في سورة الشعراء بلفظ الأجر ( ومنها ) عن 
هود    : - 
ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون   - 51 ، وراجع مثل هذا عن الرسل في سورة الشعراء ( 26 : 109 و 127 و 145 و 164 و 180 ) . 
وقد تكرر هذا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في عدة سور : الأنعام ( 6 : 90 ) ويوسف ( 12 : 104 ) والشورى ( 42 : 23 ) ونص هذه الأخيرة بعد تبشير الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات : - 
ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور   - والاستثناء في هذه الآية منقطع ، والمعنى : لا أسألكم عليه أجرا البتة ، سنة الله في النبيين المرسلين ، ولكن أسألكم المودة في أولي القربى لكم وصلة أرحامكم ، وكانت هذه الوصية مما يحمدونه من هدي الإسلام لتعصبهم لأنسابهم ، ويفسرها قوله - تعالى - : - 
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد   - 34 ، 74 . 
ولكن 
الشيعة  جعلوا الاستثناء متصلا ، وفسروا المودة في القربي بمودة قرابته - صلى الله عليه وسلم - وخصوها بابن عمه علي وذريته عليهم السلام ، دون عمه 
العباس  وذريته وسائر ذرية أعمامه ، واشتهر هذا التأويل الباطل في كتب التفسير والمناقب ودواوين الشعر ، وجعلوه عهدا من الله عاهد عليه المؤمنين كما قال شاعر 
العراق  في عصره 
عبد الباقي العمري :  وعهد لا أسألكم عليه من أجر لمن به الولا قد وجبا 
وهذا التأمل تحريف للقرآن وطعن شنيع على رسول الله وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - بإخراجه من سنة الله - تعالى - في جميع رسله بأنهم يبلغون رسالاته لوجهه الكريم ،   
[ ص: 175 ] لا يسألون عليه أجرا لأنفسهم ولا لأولي قرباهم ، وأنه هو الذي انفرد بطلب الأجر لأولي قرباه ، ( وحاشاه ) وهل يسعى جميع طلاب الدنيا إلا لذرياتهم ؟ وللتنزه عن هذه الشبهة حرم الله - تعالى - الصدقة على آل رسوله ، وهم 
بنو هاشم  ومن كان يواليهم من 
بني المطلب  دون إخوتهم من 
بني أمية  وبني عبد شمس  الذين كانوا يعادونهم ، وموالاة علي وآله واجبة لا خلاف فيها ، ولا حاجة إلى الاستدلال عليها بهذا التحريف للقرآن بباطل التأويل للآيات المحكمات اللاتي هن أم الكتاب .