صفحة جزء
[ ص: 196 ] ( الفصل الثاني في سنن الطبائع والغرائز البشرية ) :

( وفيه بضعة شواهد ) :

( سنته - تعالى - في اختبار البشر لأجل إحسان كل عمل ) :

( الشاهد الأول ) بين الله - تعالى - لنا بعد ما تقدم آنفا من بدء الخلق حكمته العظمى فيه للبشر بقوله : - ليبلوكم أيكم أحسن عملا - 7 فإن إحسانهم لأعمالهم التي أعدهم لها هي التي تظهر ما في هذا الخلق علويه وسفليه من الحكم والأسرار التي لا حد لها ولا نهاية ، بين هذا بأسلوب الالتفات عن الخبر إلى الخطاب العام ، ويا له من أسلوب لا يعرف له ضريب في كلام بلغاء البشر ، ثم التفت عنه إلى خطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله : - ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين - 7 وفي هذا الخبر المؤكد بصيغة القسم بيان لسنتين من سنن الله - تعالى - في البشر ، إحداها في حالة من أحوال اجتماعهم ، وموضعها الفصل الثالث ، والأخرى في نوع من أنواع غرائزهم وطباعهم ، وهي أنهم إذا أخبروا بشيء لم تصل إلى إدراكه عقولهم أنكروه ، على أنهم مستعدون بالفطرة للعلم بكل شيء كما قال - تعالى - : - وعلم آدم الأسماء كلها - 2 : 31 فإذا قال لهم الرسول المخبر إن هذا الخبر عن الله القادر على كل شيء ، وجاءهم بالآية الدالة على صدقه من علمية أو عقلية يعجزون عن مثلها قال أكثرهم : - إن هذا إلا سحر مبين - أي : بين ظاهر ، يعنون أنهم ما عجزوا عن مثلها إلا لأن لها سببا خفيا عليهم قد يعرفه غيرهم وقد يعرفونه بعد ، فهذه سنة من سننه - تعالى - فيهم في حال من أحوالهم الناقصة المتعارضة كما بينته في محله من قبل ، والمراد هنا التذكير لا تفصيله وتحقيقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية