صفحة جزء
( فائدة في مخرجي الضاد والظاء وحكم تحريف الأول )

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ، وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك ، والله أعلم . وأما الحديث : " أنا أفصح من نطق بالضاد " فلا أصل له . ا هـ .

وأقول : إن أكثر أهل الأمصار العربية قد أرادوا الفرار من جعل الضاد ظاء ، كما يفعل الترك وغيرهم من الأعاجم ، فجعلوها أقرب إلى الطاء منها إلى الضاد حتى القراء المجودون منهم ، [ ص: 84 ] إلا أهل العراق وأهل تونس فهم على ما نعلم أفصح أهل الأمصار نطقا بالضاد ، وإننا نجد أعراب الشام وما حولها ينطقون بالضاد فيحسبها السامع ظاء لشدة قربها منها وشبهها بها . وهذا هو المحفوظ عن فصحاء العرب الأولين حتى اشتبه نقلة العربية عنهم في مفردات كثيرة قالوا : إنها سمعت بالحرفين وجمعها بعضهم في مصنف مستقل ، والأشبه أنه قد اشتبه عليهم أداؤها منهم فلم يفرقوا ، والفرق ظاهر ولكنه غير بعيد .

وقد قرئ قوله تعالى في سورة التكوير : ( وما هو على الغيب بضنين ) بكل من الضاد والظاء ، والضنين : البخيل ، والظنين : المتهم ، وفائدتهما نفي كل من البخل والتهمة . والمعنى : ما هو ببخيل في تبليغه فيكتم ، ولا بمتهم فيكذب ، قال في الكشاف : وهو في مصحف عبد الله بالظاء ، وفي مصحف أبي بالضاد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما . وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ، ومعرفة مخرجيهما مما لا بد منه للقارئ ، فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين ، وإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد ، فإن مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان ويساره ، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أضبط : يعمل بكلتا يديه ، وكان يخرج الضاد من جانبي لسانه ، وهي أحد الأحرف الشجرية أخت الجيم والشين ، وأما الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا . وهي أحد الأحرف الذولقية ، أخت الذال والثاء ، ولو استوى الحرفان لما ثبتت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ، واختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة . ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب . ا هـ .

وأقول : صدق أبو القاسم الزمخشري في تحقيقه هذا كله إلا قوله : إن البون بين الحرفين بعيد ، فالفرق ثابت ولكنه قريب ، وهو يحصل بإخراج طرف اللسان بالظاء بين الثنايا كأختيه الثاء والذال ، ولا شركة بينه وبينهما إلا في هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية