صفحة جزء
وقوله : ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أي تأكلوها مضمومة إلى أموالكم ، وهذا صريح فيما إذا كان للولي مال يضم مال اليتيم إليه ، ويمكن أن يقال : إن أكله مفردا غير مضموم إلى مال الولي بالتحريم ، وهو داخل في عموم قوله : وآتوا اليتامى أموالهم وقيل يفهم من هذا القيد جواز أكل الوصي الفقير الذي لا مال له شيئا من مال اليتيم ، وسيأتي التصريح بذلك في الآية السادسة .

أقول : ومراد الأستاذ الإمام بنفي التجوز من الآية يعم ما قاله بعضهم من التجوز بلفظ الإيتاء باستعماله بمعنى ترك الأموال سالمة لهم ، وعدم اغتيال شيء منها ، وما قالوه من أن المراد بإيتائهم إياها هو تسليمهم إياها بعد الرشد ، وأطلق عليهم لفظ اليتامى باعتبار ما كانوا عليه من عهد قريب - كما ذكر في بعض كتب البلاغة وكتب الأصول ، وهو ما سيأتي حكمه في الآية السادسة فلا حاجة إلى دسه في هذه - وقيل : أكل أموالهم إلى أموال اليتامى هو خلطها بها ، وتقدم حكم مخالطتهم في سورة البقرة - راجع آية 220 منها في ص271 وما بعدها ج 2 .

[ ص: 282 ] واختلفوا أيضا في تبدل الخبيث بالطيب ، والأظهر فيه ما اختاره الأستاذ الإمام فيما تقدم آنفا ، وقيل : إن المراد به ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من أخذ الجيد من مال اليتيم ، ووضع الرديء بدله ، وأخذ السمين منه ، وإعطائه الهزيل ، ونسبه الرازي للأكثرين ، قال : وطعن فيه صاحب الكشاف بأنه تبديل لا تبدل .

وعبر عن أخذ المال ، والانتفاع به بالأكل لأنه معظم ما يقع به التصرف ، وهذا الاستعمال شائع معروف كقوله - تعالى - : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ 2 : 188 ] وهو يعم كل ما يأخذه الإنسان من مال غيره بغير حق .

إنه كان حوبا كبيرا أي إن أكل مال اليتيم ، أو تبدل الخبيث بالطيب منه ، أو ما ذكر من مجموع الأمرين - وكانت تفعله الجاهلية - كان في حكم الله حوبا كبيرا أي إثما عظيما .

التالي السابق


الخدمات العلمية