صفحة جزء
وعاشروهن بالمعروف أي يجب عليكم أيها المؤمنون أن تحسنوا عشرة نسائكم بأن تكون [ ص: 374 ] مصاحبتكم ومخالطتكم لهن بالمعروف الذي تعرفه ، وتألفه طباعهن ، ولا يستنكر شرعا ، ولا عرفا ، ولا مروءة ، فالتضييق في النفقة ، والإيذاء بالقول ، أو الفعل ، وكثرة عبوس الوجه ، وتقطيبه عند اللقاء كل ذلك ينافي العشرة بالمعروف ، وفي المعاشرة معنى المشاركة والمساواة ، أي عاشروهن بالمعروف وليعاشرنكم كذلك ، وروي عن بعض السلف أنه يدخل في ذلك أن يتزين الرجل للمرأة بما يليق به من الزينة لأنها تتزين له ، والغرض أن يكون كل منهما مدعاة سرور الآخر ، وسبب هنائه في معيشته ، وقد فسر " المعروف " بعضهم بالنصفة في القسم ، والنفقة ، والإجمال في القول والفعل ، وفسره بعضهم تفسيرا سلبيا ، فقال هو ألا يسيء إليها ، ولا يضرها ، وكل منهما ضعيف ، وجعل الأستاذ الإمام المدار في المعروف على ما تعرفه المرأة ولا تستنكره ، وما يليق به وبها بحسب طبقتهما في الناس ، وقد أشرنا إلى ذلك . وأدخل فيه بعضهم وجوب الخادمة لها إن كانت ممن لا يخدمن أنفسهن ، وكان الزوج قادرا على أجرة الخادمة . وقلما يقصر المسلمون فيما يجب للنساء من النفقة ، بل هم أكثر أهل الملل إنفاقا على النساء ، وأقلهم إرهاقا لهن بالخدمة ، ولكنهم قصروا في أمور أخرى ، قصروا في إعداد البنات للزوجية الصالحة بما يجب من التربية الدينية الاجتماعية الاقتصادية الصحية ، والتعليم المغذي لهذه التربية فعسى أن يرجعوا عن قريب .

فإن كرهتموهن لعيب في الخلق ، أو الخلق مما لا يعد ذنبا لهن ; لأن أمره ليس في أيديهن ، أو التقصير في العمل الواجب عليهن في خدمة البيت والقيام بشئونه مما لا يخلو عن مثله النساء وكذا الرجال في أعمالهم ، أو الميل منكم إلى غيرهن ، فاصبروا ولا تعجلوا بمضارتهن ، ولا بمفارقتهن لأجل ذلك فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا فهذا الرجاء علة لما دل عليه السياق من جزاء الشرط ، ومن الخير الكثير بل أهمه وأعلاه الأولاد النجباء ، فرب امرأة يملها زوجها ويكرهها ، ثم يجيئه منها من تقر به عينه من الأولاد النجباء فيعلو قدرها عنده بذلك ، وقد شاهدنا ، وشاهد الناس كثيرا من هذا ، وناهيك به : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين [ 25 : 74 ] .


نعم الإله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأولاد



ومنها أن يصلح حالها بصبره ، وحسن معاشرته ، فتكون أعظم أسباب هنائه في انتظام معيشته ، وحسن خدمته لا سيما إذا أصيب بالأمراض ، أو بالفقر ، والعوز ، فكثيرا ما يكره الرجل امرأته لبطره بصحته ، وغناه ، واعتقاده أنه قادر على أن يتمتع بخير منها ، وأجمل ، فلا يلبث أن يسلب ما أبطره من النعمة ، ويكون له منها إذا صبر عليها في أيام البطر خير سلوى ، وعون في أيام المرض ، أو العوز ، فيجب على الرجل الذي يكره زوجه أن يتذكر مثل هذا ويتذكر أيضا أنه لا يخلو من عيب تصبر امرأته عليه في الحال ، غير ما وطنت نفسها عليه في الاستقبال ، [ ص: 375 ] وقد بينا حاجة كل من الزوجين إلى مودة الآخر ، ورحمته ، ولا سيما في حال الضعف والعجز في مقالات ( الحياة الزوجية ) فتراجع في المجلد الثامن من المنار ، وربما نودع ذلك في تفسير قوله - تعالى - : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [ 30 : 21 ] .

هذا ، وإن التعليل في الآية يرشدنا إلى قاعدة عامة تأتي في جميع الأشياء لا في النساء خاصة ، وهي أن بعض ما يكرهه الإنسان يكون فيه خير له ، متى جاء ذلك الخير تظهر قيمة ذلك الشيء المكروه ، وهي قاعدة عرف العقلاء صدقها بالتجارب ، ولأجل التنبيه لها قال - تعالى - : وعسى أن تكرهوا شيئا [ 2 : 216 ] ولم يقل وعسى أن تكرهوا امرأة ، ثم إن في الصبر على المكروه واحتماله فوائد أخرى غير ما يمكن أن يكون في المكروه نفسه من الخير المحبوب ، فالصابر المحتمل يستفيد من كل مكروه بصبره ، ورويته سواء ترتب عليه في ذاته خير أم لا ، ومن المكروه الذي يترتب عليه خير القتال بالحق لأجل حماية الحق ، والدفاع عنه فهو بما فيه من المشقة مكروه طبعا ، وناهيك بما يترتب عليه من إظهار الحق ، ونصره ، وظهور أهله ، وخذلان الباطل وحزبه - راجع تفسير كتب عليكم القتال وهو كره لكم وللأستاذ الإمام كلام حسن هناك في ذلك ، وليس عندنا شيء عنه في هذه الآية ، والحاصل أن الإسلام يوصي أهله بحسن معاشرة النساء ، والصبر عليهن إذا كرهن الأزواج رجاء أن يكون فيهن خير .

التالي السابق


الخدمات العلمية