1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة النساء
  4. تفسير قوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة بالهدى ويريدون أن تضلوا السبيل
صفحة جزء
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه هذا بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب [ ص: 114 ] واتصفوا بالضلالة والإضلال ، وقوله : والله أعلم بأعدائكم إلخ جمل معترضة بين البيان والمبين ، أو هو بيان لأعدائكم والاعتراض ما بينهما ، أو متعلق بـ نصيرا أي : ينصركم من الذين هادوا ، أو التقدير : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم كما قال الشاعر :


وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

أي : فمنهما تارة أموت فيها إلخ ، ومثله كثير ، والأول أظهر ، وتحريف الكلم عن مواضعه هو : إمالته وتنحيته عنها كأن يزيلوه بالمرة أو يضعوه في مكان غير مكانه من الكتاب ، أو المراد بمواضعه : معانيه ؛ كأن يفسروه بغير ما يدل عليه .

قال الأستاذ الإمام : التحريف يطلق على معنيين :

( أحدهما ) : تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وضع له وهو المتبادر ; لأنه هو الذي حملهم على مجاحدة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنكار نبوته وهم يعملون ، إذ أولوا ولا يزالون يئولون البشارات به إلى اليوم كما يئولون ما ورد في المسيح ويحملونه على شخص آخر لا يزالون ينتظرونه .

( ثانيهما ) : أخذ كلمة أو طائفة من الكلم من موضع من الكتاب ووضعها في موضع آخر ، وقد حصل مثل هذا التشويش في كتب اليهود : خلطوا فيما يؤثر عن موسى ـ عليه السلام ـ ما كتب بعده بزمن طويل ، وكذلك وقع في كلام غيره من الأنبياء ، وقد اعترف بهذا بعض المتأخرين من أهل الكتاب ، وإنما كان هذا منهم بقصد الإصلاح ، وهذا النوع من التحريف لا يضر المسلمين ولم يكن هو الحامل على إنكار ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

هذا ما قرره الأستاذ الإمام في الدرس ، وكتبت في مذكرتي عند كتابته كأنه وجد عندهم قراطيس متفرقة ، أي بعد أن فقدت النسخة التي كتبها موسى عليه السلام ، فأرادوا أن يؤلفوا بين الموجود ، فجاء فيه ذلك الخلط ، وهذا سبب ما جاء في أسفار التوراة من الزيادة والتكرار ، وقد أثبت العلماء تحريف كتب العهد العتيق والعهد الجديد بالشواهد الكثيرة ، وفي كتاب ـ إظهار الحق ـ للشيخ رحمة الله الهندي رحمه الله تعالى مائة شاهد على التحريف اللفظي والمعنوي فيها ، والأول ثلاثة أقسام : تبديل الألفاظ ، وزيادتها ، ونقصانها .

فمن الشواهد على الزيادة ما جاء في سفر التكوين " 36 : 31 وهؤلاء الملوك الذين ملكوا في الأرض أدوم قبل أن ملك ملك لبني إسرائيل " ولا يمكن أن يكون هذا من كلام موسى عليه السلام ; لأنه لم يكن لبني إسرائيل ملك الأرض إلا من بعده ، وكان أول ملوكهم ( شاول ) وهو بعد موسى بثلاثة قرون ونصف ، وقد قال آدم كلارك أحد مفسري التوراة : أظن ظنا قويا قريبا من اليقين أن هذه الآيات [ أي من 32 - 39 ] ، كانت مكتوبة على حاشية نسخة صحيحة من التوراة فظن الناقل أنها جزء المتن فأدخلها فيه .

[ ص: 115 ] ومنها في سفر تثنية الاشتراع " 3 : 14 يائير بن منسى أخذ كل كورة أرجوب إلى تخم الجشوريين والمعكيين ودعاها على اسمه باشان حووث يائير إلى هذا اليوم " قال هورون في المجلد الأول من تفسيره بعد إيراد هذه الفقرة والفقرة السابقة : " هاتان الفقرتان لا يمكن أن يكونا من كلام موسى ( عليه السلام ) لأن الأولى دالة على أن مصنف هذا الكتاب ـ سفر التكوين أو التوراة كلها ـ وجد بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل ، والفقرة الثانية دالة على أن مصنفه كان بعد زمان إقامة اليهود في فلسطين " إلى آخر ما قاله ، ومنه أن هاتين الفقرتين ثقل على الكتاب ولا سيما الثانية .

وقد صرح هؤلاء المفسرون بأن عزرا الكاتب قد زاد بعض العبارات في التوراة ، وصرحوا في بعضها بأنهم لا يعرفون من زادها ، ولكنهم يجزمون بأنها ليست مما كتبه موسى ، وكثرة الألفاظ البابلية في التوراة تدل على أنها كتبت بعد سبي البابليين لبني إسرائيل ، وهنالك شواهد على تحريف سائر كتبهم تراجع في الكتب المؤلفة لبيان ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية