مسافة القصر 
من المباحث التي تتعلق بالآية أن الفقهاء الذين يقلدهم جماهير المسلمين في هذه الأعصار قد ذهبوا إلى أن 
قصر الصلاة ، وكذا جمعها والفطر في رمضان ، لا يكون في كل سفر بل لا بد من سفر طويل وأقله عند المالكية والشافعية مرحلتان وعند الحنفية ثلاث مراحل ، والعبرة فيها بالذهاب ، والمرحلة أربعة وعشرون ميلا هاشمية وهي مسيرة يوم بسير الأقدام أو الأثقال ، أي : الإبل المحملة ، وليس هذا مجمعا عليه ، ولا ورد فيه حديث صحيح ، وقد اختلف فيه فقهاء السلف وأئمة الأمصار ، وفي فتح الباري أن 
ابن المنذر  وغيره نقلوا في المسألة أكثر من عشرين قولا ، وقد بينا في تفسير 
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر   ( 2 : 184 ) ، أن 
الفطر في رمضان يباح في كل ما يسمى في اللغة سفرا  [ ص: 303 ] طال أو قصر كما هو المتبادر من الآية ، ولم يثبت في السنة ما يقيد هذا الإطلاق ، وبينا ذلك في بعض الفتاوى أيضا ونذكر منها الفتوى الآتية نقلا من المجلد الثالث عشر من المنار وهي : ( س 52 ) من م . ب . ع . في 
سمبس  برنيو    ( 
جاوه    ) . 
حضرة فخر الأنام ، سعد الملة وشيخ الإسلام ، سيدي الأستاذ العلامة 
السيد محمد رشيد رضا  صاحب مجلة المنار الغراء أدام الله بعزيز وجوده النفع ، آمين . 
وبعد إهداء أشرف التحية وأزكى السلام فيا سيدي وعمدتي أرجو منكم الالتفات إلى ما ألقيه إليكم من الأسئلة لتجيبوني عنها وهي - وذكر أسئلة - منها : 
هل تحد 
مسافة القصر بحديث : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003220يا أهل مكة   لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من 
مكة  إلى 
عسفان  وإلى 
الطائف  أم لا ؟ وهل أربعة البرد هي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ؟ وعليه فكم يكون قدر المسافة المعتبرة شرعا بحساب كيلو متر ؟ أفتونا فتوى لا نعمل إلا بها ولا نعول إلا عليها فلا زلتم مشكورين وكنا لكم ذاكرين : 
ج : الحديث الذي ذكره السائل رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وفي إسناده 
عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير  ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد    : ليس بشيء ضعيف ، وقد نسبه 
النووي  إلى الكذب ، وقال 
الأزدي    : لا تحل الرواية عنه ، ولكن 
مالكا   nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  روياه موقوفا على 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وإذ لم يصح رفعه فلا يحتج به ، وفي الباب حديث 
أنس  أنه قال حين سئل عن قصر الصلاة : كان 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003221رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين ، رواه 
أحمد  ومسلم  وأبو داود  من طريق 
شعبة  ، 
وشعبة  هو الشاك في الفراسخ وقد يقال الأقل هو المتيقن ، وفيه أن هذه حكاية حال لا تحديد فيها ، والعدد لا مفهوم له في الأقوال فهل يعد حجة في وقائع الأحوال ؟ وهناك وقائع أخرى فيما دون ذلك من المسافة . 
فقد روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور  من حديث 
أبي سعيد  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003222كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة ، وأقره الحافظ في التلخيص بسكوته عنه وعليه الظاهرية وأقل ما ورد في المسألة ميل واحد رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  بإسناد صحيح وبه أخذ 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم  وظاهر إطلاق القرآن عدم التحديد ، وقد فصلنا ذلك في [ ص 416 و 649 من المجلد السابع من المنار ] . 
والمشهور أن البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ، وأصل الميل مد البصر ; لأن ما بعده يميل عنه فلا يرى ، وحدوده بالقياس ، فقالوا : هو ستة آلاف ذراع ، الذراع 14 أصبعا معترضة معتدلة ، والأصبع ست حبات من الشعير معترضة معتدلة ، وقال بعضهم : هو اثنا عشر ألف قدم بقدم الإنسان ، وهو أي الفرسخ 5541 مترا اهـ .  
[ ص: 304 ] هذه هي الفتوى : وأزيد الآن : أن الشافعية قد اعتمدوا في كتب الفقه الاستدلال على تحديد سفر القصر بما روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  من قول الأول ، وكون الثاني كان يسافر البريد فلا يقصر ، وهذا ما استدل به 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في الأم ولم يستدل بحديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قصره - صلى الله عليه وسلم - في سفره إلى 
مكة  ، وقال : لم يبلغنا أن يقصر فيما دون يومين ، يعني لو بلغه لعمل به كما هي قاعدته - رحمه الله - : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " ، وقد بلغ غيره ما لم يبلغه في هذا ، وهو حديث 
أنس  عند 
أحمد  ومسلم  في صحيحه من 
قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة فراسخ أو أميال قال 
الحافظ ابن حجر    : وهو أصح حديث ورد في ذلك وأصرحه ، وكان سببه أن 
أنسا  سئل عن القصر بين 
الكوفة  والبصرة  فقاله ، ويرجح رواية الثلاثة الأميال حديث 
أبي سعيد  في الفرسخ فإنه ثلاثة أميال ، فوجب على الشافعية العمل به ككل من بلغه .