1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة النساء
  4. تفسير قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس
صفحة جزء
هذه هي أصناف الناس في الهدى والضلال ، بحسب ما خطر للفكر القاصر الآن ولا يصدق على صنف منها أنه تبين له الهدى إلا الأول والثاني ، فمن يشاقق الرسول من أفرادهما في حياته ، أو يعاد سنته من بعده ويتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم أهل الهدى ، وإنما سبيلهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي يقول الله - تعالى - فيه : نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ، وهو الذي يصدق عليه قوله - تعالى - في سورة أخرى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ( 45 : 23 ) ، وهم أجدر الناس بدخول جهنم ، وصليها الاحتراق بها وسائر أنواع عذابها ; لأنهم استحبوا العمى على الهدى ، وعاندوا الحق واتبعوا الهوى .

وأما سائر الأصناف فيولي الله كلا منهم ما تولى أيضا ، كما هي سنته في الإنسان الذي خلقه مريدا مختارا حاكما على نفسه وعلى الطبيعة المحيطة به ، بحيث يتصرف فيهما التصرف الذي يراه خيرا له ; ولذلك غير في أطوار كثيرة أحوال معيشته وأساليب تربيته ، وسخر قوى الطبيعة العاتية لمنافعه وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ( 45 : 13 ) ، فهو مربي نفسه ومربي الطبيعة التي ألهها بعض أصنافه جهلا منهم بأنفسهم ، وهو لا متصرف فوقه في هذه الأرض إلا رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، أقول هذا نسفا لأساس جبرية الفلسفة الأوربية الحاضرة بعد نسف أساس جبرية الفلسفة الغابرة ، هؤلاء الذين يظنون أن ما يسمونه الأفعال المنعكسة تعمل في الإنسان عملها ، وأنه لا عمل له بها ، والصواب أنه حاكم عليها كحكمها عليه ، فإن ترك لها الحكم استبدت وإن أراد أن يتصرف فيه وفيها فعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية