صفحة جزء
ولأضلنهم ولأمنينهم أي : لأتخذن منهم نصيبا ولأضلنهم عن الحق ولأشغلنهم [ ص: 349 ] بالأماني الباطلة ، أي : هذا شأنه ومقتضى طبعه ، والأماني جمع أمنية ، قال الراغب : وهي الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء ، يقال : تمنى الشيء إذا أحب أن يكون له وإن لم يتخذ له أسبابه ، كما يتمنى المقامر الثروة بالمقامرة وهي ليست سببا طبيعيا للغنى بل ليست من الكسب المعتاد ، والمعنى الأصلي لهذه المادة التقدير ، يقال : منى لك الماني أي : قدر لك المقدر ، والمصدر المنى بالفتح ، قال الراغب : ومنه المنا الذي يوزن به فيما قيل ، وأقول : الأجدر بهذا أن يكون هو الأصل على المذهب المعروف في كون الأشياء الجامدة والمدركة بالحواس هي أصل للأشياء المعنوية ، والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها ، وقد يكون عن تخمين وظن ، وقد يكون عن روية وبناء على أصل ، ولما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك ، فأكثره تصور ما لا حقيقة له كما قال الراغب .

وقال الأستاذ الإمام : إن إضلاله لمن يضلهم هو عبارة عن صرفهم عن العقائد الصحيحة ، بمعنى أنه يشغلهم عن الدلائل الموصلة إلى الحق والهدى ، وأما التمنية فهي في الأعمال بأن يزين لهم الاستعجال باللذات الحاضرة والتسويف بالتوبة وبالعمل الصالح بل هذا اسم جامع لأنواع وحي الشيطان كلها وتغريره للناس بعفو الله ورحمته ومغفرته .

التالي السابق


الخدمات العلمية