وإن من أهل الكتاب أي : وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به أي : ليؤمنن 
بعيسى  إيمانا صحيحا ، وهو أنه عبد الله ورسوله ، وآيته للناس قبل موته أي قبل موت ذلك الأحد الذي هو نكرة في سياق النفي ، فيفيد العموم . وحاصل المعنى أن كل أحد من 
أهل الكتاب  ، عندما يدركه الموت ينكشف له الحق في أمر 
عيسى  وغيره من أمر الإيمان فيؤمن 
بعيسى  إيمانا صحيحا ; فاليهودي يعلم أنه رسول صادق غير دعي ولا كذاب ، والنصراني يعلم أنه عبد الله ورسوله ، فلا هو إله ، ولا ابن الله . 
ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا يشهد عليهم بما تظهر به حقيقة أمره معهم ، ومنه ما حكاه الله عنه في آخر سورة المائدة 
ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم   ( 5 : 117 ) وقد يشهد للمؤمن منهم ، في حال الاختيار والتكليف ، بإيمانه ، وعلى الكافر بكفره   
[ ص: 19 ]   ; لأنه مبعوث إليهم ، وكل نبي شهيد على قومه كما قال تعالى : 
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا   ( 4 : 41 ) وذهب بعضهم إلى أن المراد أن كل أحد من 
أهل الكتاب  يؤمن 
بعيسى  قبل موت 
عيسى  ، وهذا مبني على القول بأن 
عيسى  لما يمت ، وأنه رفع إلى السماء قبل وفاته ، وهم الذين أولوا قوله تعالى : 
إني متوفيك ورافعك إلي   ( 3 : 55 ) وهم على هذا يحتاجون إلى تأويل النفي العام هنا بتخصيصه بمن يكون منهم حيا عند نزوله ، فيقولون : المعنى : وما من أحد من 
أهل الكتاب  الذين ينزل 
المسيح  من السماء إلى الأرض وهم أحياء ، إلا ليؤمنن به ، ويتبعنه ، والمتبادر من الآية المعنى الأول ، وهذا التخصيص لا دليل عليه ، وهو مبني على شيء لا نص عليه في القرآن حتى يكون قرينة له ، والأخبار التي وردت فيه لم ترد مفسرة للآية . 
أما المعنى الأول الذي هو الظاهر المتبادر من النظم البليغ ، فيؤيده ما ورد من اطلاع الناس قبل موتهم ، على منازلهم في الآخرة ، ومن كونهم يبشرون برضوان الله وكرامته ، أو بعذابه وعقوبته ، ففي حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت  في الصحيحين : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=919258إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، وإن الكافر إذا حضر ، بضم الحاء : أي حضره الموت ، بشر بعذاب الله وعقوبته ، وروى 
أحمد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي  من حديث 
أنس  وغيرهما من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت    . وعن 
عائشة  زيادة في حديث : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=919259من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه   " الذي في الصحيحين وغيرهما ، وهي أنهم قالوا : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=919260يا رسول الله كلنا نكره الموت ، فقال : " ليس ذلك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب لقاءه ، وإن الفاجر إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه من الشر ، فكره لقاء الله فكره الله لقاءه   . 
وروى 
ابن مردويه  وابن منده  ، بسند ضعيف عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : " 
ما من نفس تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة أو النار   " وروى مثله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا  عن رجل لم يسم ، عن 
علي  مرفوعا . فهذه الأحاديث تؤيد ما روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وغيره في تفسير الآية ; من كون الملائكة تخاطب من يموت من أهل الكتاب قبل خروج روحه ، بحقيقة أمر المسيح ، مع الإنكار الشديد والتقبيح ، ومما يؤيد هذه الحقيقة النص في سورة يونس على تصريح 
فرعون  بالإيمان حين أدركه الغرق . ولها دلائل أخرى كالأحاديث الواردة في عدم قبول التوبة عند الغرغرة . والله أعلم .