وأما قوله تعالى : ( 
بما استحفظوا من كتاب الله   ) فمعناه أنهم يحكمون بها بسبب ما أودعوه من الكتاب ، وائتمنوا عليه ، وطلب منهم حفظه ; أي طلب منهم الأنبياء - 
موسى  ومن بعده - أن يحفظوه ولا يضيعوا منه شيئا ، وناهيك بالعهد الذي أخذه موسى بأمر الله على شيوخ 
بني إسرائيل  بعد أن كتب التوراة أن يحفظوها ولا يتحولوا عنها ، وقد تقدم في تفسير الميثاق من أواخر سورة النساء وأوائل هذه السورة ، وأنهم نقضوا ميثاق الله ، ولم يوفوا به ،   
[ ص: 330 ] وقد قال الله فيهم : إنهم استحفظوا ، ولم يقل إنهم حفظوا ، ولكنه قال : ( 
وكانوا عليه شهداء   ) أي كان سلفهم الصالحون رقباء على الكتاب ، وعلى من يريد العبث به ، كما فعل 
 nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام  في مسألة الرجم ، أو شهداء على أنه هو شرع الله تعالى لا كما فعل خلفهم من كتمان بعض أحكامه ; اتباعا للهوى ، أو خوفا من أشرافهم إن أقاموا عليهم حدوده ، وطمعا في برهم إذا حابوهم فيها ، وأعظم من ذلك كتمانهم صفة خاتم المرسلين والبشارة به ، وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أن المراد : وكانوا على حكم النبي الموافق لحكم التوراة في حد الزنا شهداء ، ولعله أراد - إن صحت الرواية عنه - أن هذا مما يدخل في عموم صفات أحبار 
اليهود  الصالحين ; تعريضا بجمهور الخلف الصالحين ، ولذلك شهد 
 nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام    - وهو من بقية خيارهم - وكذا غيره بأن حكم التوراة رجم الزاني ; تصديقا وتأييدا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم . 
ثم قال تعالى تعقيبا على ما قصه من سيرة سلف 
بني إسرائيل  الصالح ، بعد بيان سوء سيرة الخلف الذين خلفوا بعدهم ، مخاطبا رؤساء 
اليهود  الذين كانوا في زمن التنزيل ، لا يخافون الله في الكتمان والتبديل . 
( 
فلا تخشوا الناس واخشون   ) أي إذا كان الأمر كما ذكر ، وهو ما لا تنكرونه كما تنكرون غيره مما قصه الله على رسوله من سيرة سلفكم ، فلا تخشوا الناس فتكتموا ما عندكم من الكتاب خوفا من بعضهم ، ورجاء في بعض ، واخشوني وحدي ، وأوفوا بعهدي ، فإن الأمر كله لي ( 
ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا   ) أي لا تتركوا بيانها ، والعمل والإفتاء والحكم بها في مقابلة منفعة دنيوية ، لا يمكن أن تكون إلا قليلة بالنسبة إلى المنافع العاجلة والآجلة المترتبة على الاهتداء بآيات الله تعالى . وتقدم تفسير مثل هذه الجملة في سورة البقرة ، أو المراد من النهي إقامة الحجة عليهم ، ويؤيده قوله : ( 
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون   ) أي وكل من رغب عن الحكم بما أنزل الله من أحكام الحق والعدل ، فلم يحكم بها لمخالفتها لهواه أو لمنفعته الدنيوية ، فأولئك هم الكافرون بهذه الآيات ; لأن الإيمان الصحيح يستلزم الإذعان ، والإذعان يستلزم العمل وينافي الاستقباح والترك ، وهذه الجملة مقررة لما قبلها ، ومؤيدة لقوله تعالى في هذا السياق : ( 
وما أولئك بالمؤمنين   ) ثم جاء بمثال من هذه الأحكام فقال :