صفحة جزء
( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن ) أي وفرضنا على بني إسرائيل من العقوبات في التوراة أن النفس تؤخذ أو تقتل بالنفس إذا قتلت عمدا بغير حق ، وقدر الجمهور مقتولة أو مقتصة بها ، والعين تفقأ بالعين ، والأنف يجدع بالأنف ، والأذن تصلم بالأذن ، والسن تقلع بالسن ; أي أن هذه الأعضاء والجوارح المتماثلة هي كالنفس في كون جزاء المعتدي على شيء منها مثل ما فعل ; [ ص: 331 ] لأنه هو العدل . وقد قرأ الكسائي : العين والأنف والأذن والسن بالرفع ; أي ، وكذلك العين بالعين . . . إلخ . ولهم في إعرابها عدة وجوه . وقرأها الجمهور بالنصب عطفا على النفس .

( والجروح قصاص ) قرأ الكسائي : الجروح بالرفع أيضا ، والجمهور بالنصب ; أي ذوات قصاص ، تعتبر في جزائها المساواة بقدر الاستطاعة ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) أي فمن تصدق بما ثبت له من حق القصاص بأن عفا عن الجاني فهذا التصدق كفارة له يكفر الله بها ذنوبه ويعفو عنه كما عفا عن أخيه .

( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) وكل من كان بصدد الحكم في شيء من هذه الجنايات فأعرض عما أنزل الله من القصاص المبني على قاعدة العدل والمساواة بين الناس ، وحكم بهواه أو بحكم غير حكم الله فضله عليه - فهو من الظالمين حتما ؛ إذ الخروج عن القصاص لا يكون إلا بتفضيل أحد الخصمين على الآخر ، وهضم حق المفضل عليه وظلمه .

أما مصداق هذا القصاص من التوراة التي في الأيدي ، فهو في الفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج ، ففيه بعد عدة ذنوب توجب القتل ما نصه : ( 23 وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس 24 وعينا بعين ، وسنا بسن ، ويدا بيد ، ورجلا برجل 25 ، وكيا بكي ، وجرحا بجرح ، ورضا برض ) يوضحه قوله في الفصل ( 24 ) من سفر اللاويين ( 17 وإذا أمات أحد إنسانا فإنه يقتل 18 ، ومن أمات بهيمة يعوض عنها نفسا بنفس 19 وإذا أحدث إنسان في قريبه عيبا فكما فعل كذلك يفعل به 20 كسر بكسر ، وعين بعين ، وسن بسن ، كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه ) فصرح بعموم القصاص بالمثل فدخل فيه الأذن والأنف ، وأما العفو فلا أذكر له نقلا عن التوراة ، وإنما جاء في وعظ المسيح على الجبل من إنجيل متى ، أنه ذكر مسألة العين بالعين ، والسن بالسن ، ووصى بألا يقاوم الشر بالشر ، وهو أمر بالعفو ، ولكن الذين يدعون اتباعه في هذا العصر هم أشد أهل الأرض انتقاما ومقاومة للشر بأضعافه ، إلا قليلا من الأفراد الذين أخفاهم الزمان في زوايا بعض البلاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية