صفحة جزء
خطأ نفاة القياس ومثبتيه بإطلاق :

" والصواب وراء ما عليه الفرق الثلاث . وهو أن النصوص محيطة بأحكام الحوادث ، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأي ولا قياس ، بل قد بين الأحكام كلها والنصوص كافية وافية بها ، والقياس حق مطابق للنصوص ، فهما دليلان للكتاب والميزان ، وقد تخفى دلالة النص ولا يبلغ العالم فيعدل إلى القياس ، ثم قد يظهر موافقا للنص فيكون قياسا صحيحا ، وقد يظهر مخالفا له فيكون فاسدا . وفي نفس الأمر لا بد من موافقته أو مخالفته ، ولكن عند المجتهد قد تخفى موافقته أو مخالفته .

وكل فرقة من هذه الفرق الثلاث سدوا على أنفسهم طريقا من طرق الحق فاضطروا [ ص: 140 ] إلى توسعة طريق أخرى أكثر مما تحتمله ، فنفاه القياس لما سدوا على نفوسهم باب التمثيل والتعليل واعتبار الحكم والمصالح ، وهو من الميزان والقسط الذي أنزله الله ، احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب فحملوهما فوق الحاجة ووسعوهما أكثر مما يسعانه ، فحيث فهموا من النص حكما أثبتوه ولم يبالوا بما وراءه ، وحيث لم يفهموه منه نفوه وحملوا الاستصحاب ، وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها والمحافظة عليها وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد ، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس وتركهم له ، وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه ولكن أخطأوا من أربعة أوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية