فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين

قوله : المحيض هو الحيض ، وهو مصدر ، يقال : حاضت المرأة حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة ، كذا قال الفراء وأنشد :


كحائضة تزني بها غير طاهرة

ونساء حيض وحوائض ، والحيضة بالكسرة المرة الواحدة وقيل : الاسم ، وقيل : المحيض عبارة عن الزمان والمكان ، وهو مجاز فيهما .

وقال ابن جرير الطبري : المحيض اسم الحيض ، ومثله قول رؤبة :


إليك أشكو شدة المعيش

أي العيش ، وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة : أي سالت رطوبتها ، ومنه الحيض : أي الحوض ؛ لأن الماء يحوض إليه : أي يسيل .

وقوله : قل هو أذى أي قل : هو شيء يتأذى به : أي برائحته ، والأذى كناية عن القذر ويطلق على القول المكروه ومنه قوله تعالى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى [ البقرة : 264 ] .

ومنه قوله تعالى : ودع أذاهم [ الأحزاب : 48 ] وقوله : فاعتزلوا النساء في المحيض أي فاجتنبوهن في زمان الحيض إن حمل المحيض على المصدر أو في محل الحيض إن حمل على الاسم .

والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز ، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك ، وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك بشيء ، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين .

قوله : ولا تقربوهن حتى يطهرن قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " يطهرن " بتشديد الطاء وفتحها وفتح الهاء وتشديدها .

وفي مصحف أبي وابن مسعود " ويتطهرن " والطهر انقطاع الحيض ، والتطهر : الاغتسال .

وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم ، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء .

وقال محمد بن كعب القرظي ويحيى بن بكير : إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل .

وقال مجاهد وعكرمة : إن انقطاع الدم يحلها لزوجها ، ولكن تتوضأ .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة .

وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد .

والأولى أن يقال : إن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان : إحداهما انقطاع الدم ، والأخرى التطهر منه ، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى ، فيجب المصير إليها .

وقد دل أن الغاية الأخرى هي المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك : فإذا تطهرن فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر ، لا مجرد انقطاع الدم .

وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين ، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة ، كذلك يجب الجمع بين القراءتين .

قوله : فأتوهن من حيث أمركم الله أي فجامعوهن ، وكنى عنه بالإتيان .

والمراد أنهم يجامعونهن في المأتى الذي أباحه الله ، وهو القبل . قيل : و من حيث بمعنى في حيث ، كما في قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [ الجمعة : 9 ] أي في يوم الجمعة ، وقوله : ماذا خلقوا من الأرض [ الأحقاف : 4 ] أي في الأرض ، وقيل : إن المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه ، أي من غير صوم وإحرام واعتكاف ، وقيل : إن المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض ، وقيل : من قبل الحلال ، لا من قبل الزنا .

قوله : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين قيل : المراد التوابون من الذنوب ، والمتطهرون من الجنابة والأحداث ، وقيل : التوابون من إتيان النساء في أدبارهن ، وقيل : من إتيانهن في الحيض ، والأول أظهر .

قوله : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة ، إذ هو مزدرع الذرية ، كما أن الحرث مزدرع النبات .

فقد شبه [ ص: 146 ] ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه ، وهذه الجملة بيان للجملة الأولى ، أعني قوله : فأتوهن من حيث أمركم الله .

وقوله : أنى شئتم أي من أي جهة شئتم من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضجعة ، إذا كان في موضع الحرث ، وأنشد ثعلب :


إنما الأرحام أرضون لنا محترثات     فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات

وإنما عبر سبحانه بقوله : أنى لكونها أعم في اللغة من كيف وأين ومتى .

وأما سيبويه ففسرها هنا بكيف .

وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية ، وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام .

وروي عن سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك ، حكاه عنهم القرطبي في تفسيره قال : وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر " وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر ، ووقع هذا القول في العتبية .

وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن ، وقال الطحاوي : روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني شك في أنه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ : نساؤكم حرث لكم ثم قال : فأي شيء أبين من هذا .

وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك .

وفي أسانيدها ضعف .

وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول : ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء ، والقياس أنه حلال .

وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب .

قال ابن الصباغ : كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك ، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه .

قوله : وقدموا لأنفسكم أي خيرا كما في قوله تعالى : وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله [ البقرة : 110 ] وقيل : ابتغاء الولد ، وقيل : التزويج بالعفائف ، وقيل غير ذلك .

وقوله : واتقوا الله فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرمات .

وفي قوله : واعلموا أنكم ملاقوه مبالغة في التحذير .

وفي قوله : وبشر المؤمنين تأنيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر .

وقد أخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ، فأنزل الله : ويسألونك عن المحيض الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح .

وأخرج النسائي والبزار عن جابر قال : إن اليهود قالوا : من أتى المرأة في دبرها كان ولده أحول ، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه عن ذلك وعن إتيان الحائض ، فنزلت .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الأذى الدم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله : فاعتزلوا النساء يقول : اعتزلوا نكاح فروجهن .

وفي قوله : ولا تقربوهن حتى يطهرن قال : من الدم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : حتى ينقطع الدم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله : فإذا تطهرن قال : بالماء .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد نحوه .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه أيضا .

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وعطاء أنهما قالا : إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : فأتوهن من حيث أمركم الله قال : يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : فأتوهن من حيث أمركم الله قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس قال : من حيث نهاكم أن تأتوهن وهن حيض ، يعني من قبل الفرج .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال : فأتوهن من حيث أمركم الله من قبل التزويج .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله : يحب التوابين قال : من الذنوب ويحب المتطهرين قال : بالماء .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال : التوبة من الذنوب والتطهير من الشرك .

وأخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن جابر قال : كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول ، فنزلت : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شاء محتبية وإن شاء غير محتبية ، غير أن ذلك في صمام واحد .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مرة الهمداني نحوه .

وقد روي هذا عن جماعة من السلف وصرحوا أنه السبب ، ومن الراوين لذلك عبد الله بن عمر عند ابن عساكر ، وأم سلمة عند عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب .

وأخرجه أيضا عنها ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض نساء الأنصار عن التحبية ، فتلا عليها الآية وقال : صماما واحدا والصمام : السبيل .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي والضياء في المختارة وغيرهم عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما أهلكك ؟ قال : حولت رحلي الليلة . فلم يرد عليه شيئا . فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم يقول : أقبل وأدبر واتق الدبر [ ص: 147 ] والحيضة .

وأخرج أحمد عن ابن عباس مرفوعا أن هذه الآية نزلت في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه فقال : ائتها على كل حال إذا كان في الفرج .

وأخرج الدارمي وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه ، قال ابن عمر - والله يغفر له أوهم ؟ - : إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل الكتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بفعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار . فذهب يفعل بها ذلك فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله الآية : نساؤكم حرث لكم يقول : مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج وإن كان من قبل دبرها في قبلها ، زاد الطبراني : قال ابن عباس ، قال ابن عمر : في دبرها فأوهم ، والله يغفر له ، وإنما كان هذا الحديث على هذا .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي والبيهقي عن ابن مسعود أنه قال : محاش النساء عليكم حرام .

وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق خزيمة بن ثابت أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، فقال : حلال أو لا بأس ، فلما ولى دعاه فقال : كيف قلت ؟ أمن دبرها في قبلها فنعم ، أم من دبرها في دبرها فلا ، إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن .

وأخرج ابن عدي والدارقطني عن جابر بن عبد الله نحوه .

وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في الدبر .

وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عمرو : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى .

وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ملعون من أتى امرأته في دبرها .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عنه قال : إتيان الرجال والنساء في أدبارهن كفر .

وقد رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا ، قال ابن كثير : والموقوف أصح .

وقد ورد النهي عن ذلك من طرق ، منها عند البزار عن عمر مرفوعا ، وعند النسائي عنه موقوفا وهو أصح .

وعند ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود مرفوعا وعند ابن عدي أيضا عن عقبة بن عامر مرفوعا ، وعند أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق مرفوعا ، وعند ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه عن علي بن طلق مرفوعا ، وقد ثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين مرفوعا وموقوفا .

وأخرج البخاري وغيره عن نافع قال : قرأت ذات يوم : نساؤكم حرث لكم فقال ابن عمر : أتدري فيم أنزلت هذه الآية ؟ قلت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن .

وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه قال : فأتوا حرثكم أنى شئتم قال : في الدبر .

وقد روي هذا عن ابن عمر من طرق كثيرة .

وفي رواية عند الدارقطني أنه قال له نافع : من دبرها في قبلها ؟ فقال : لا : إلا في دبرها .

وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي وابن مردويه بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري ، أن رجلا أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس عليه ذلك ، فنزلت الآية .

وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال : كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال : ما تقول في إتيان المرأة في دبرها ؟ فقال : هذا شيخ من قريش فسله ، يعني عبد الله بن علي بن السائب : فقال : قذر ولو كان حلالا .

وقد روي القول بحل ذلك عن محمد بن المنكدر عند ابن جرير وعن ابن أبي مليكة عند ابن جرير أيضا ، وعن مالك بن أنس عند ابن جرير والخطيب وغيرهما ، وعن الشافعي عند الطحاوي والحاكم والخطيب .

وقد قدمنا مثل هذا ، وليس في أقوال هؤلاء حجة ألبتة : ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم ، فإنهم لم يأتوا بدليل يدل على الجواز ، فمن زعم منهم أنه فهم ذلك من الآية فقد أخطأ في فهمه .

وقد فسرها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكابر أصحابه بخلاف ما قاله هذا المخطئ في فهمه كائنا من كان ومن زعم منهم أن سبب نزول الآية أن رجلا أتى امرأته في دبرها ، فليس في هذا ما يدل على أن الآية أحلت ذلك ، ومن زعم ذلك فقد أخطأ ، بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام ، فكون ذلك هو السبب لا يستلزم أن تكون الآية نازلة في تحليله ، فإن الآيات النازلة على أسباب تأتي تارة بتحليل هذا ، وتارة بتحريمه .

وقد روي عن ابن عباس أنه فسر هذه الآية بغير ما تقدم ، فقال : معناها إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا .

روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والضياء في المختارة .

وروي نحو ذلك عن ابن عمر . أخرجه ابن أبي شيبة ، وعن سعيد بن المسيب ، أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير .

التالي السابق


الخدمات العلمية