فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون

المرض : كل ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة من [ ص: 31 ] علة أو إنفاق أو تقصير في أمر ، قاله ابن فارس ، وقيل : هو الألم ، فيكون على هذا مستعارا للفساد الذي في عقائدهم إما شكا ونفاقا ، أو جحدا وتكذيبا ، وتقديم الخبر للإشعار بأن المرض مختص بها بمبالغة في تعلق هذا الداء بتلك القلوب لما كانوا عليه من شدة الحسد وفرط العداوة .

والمراد بقوله : فزادهم الله مرضا الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النعم ، ويتكرر له من منن الله الدنيوية والدينية .

ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك وترادف الحسرة وفرط النفاق .

والأليم المؤلم : أي الموجع ، و ( ما ) في قوله : بما كانوا يكذبون مصدرية : أي بتكذيبهم وهو قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين [ البقرة : 8 ] والقراء مجمعون على فتح الراء من قوله : ( مرض ) ، إلا ما رواه الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأ بإسكان الراء ، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي يكذبون بالتخفيف ، والباقون بالتشديد .

وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : في قلوبهم مرض قال : شك فزادهم الله مرضا قال : شكا .

وأخرج عنه ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله : في قلوبهم مرض قال : النفاق ، ولهم عذاب أليم قال : نكال موجع بما كانوا يكذبون قال : يبدلون ويحرفون .

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثل ما قاله ابن عباس أولا .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن أليم فهو الموجع .

وأخرج أيضا عن أبي العالية مثله .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله أيضا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قلوبهم مرض أي ريبة وشك في أمر الله فزادهم الله مرضا ريبة وشكا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون قال : إياكم والكذب فإنه باب النفاق .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون .

والمرض : الشك الذي دخل في الإسلام .

وروي عن عكرمة وطاوس أن المرض : الرياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية