1. الرئيسية
  2. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
  3. تفسير سورة الأنعام
  4. تفسير قوله تعالى " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها "

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون [ ص: 446 ] قوله : أومن كان ميتا فأحييناه .

قرأ الجمهور بفتح الواو بعد همزة الاستفهام .

وقرأ نافع وابن أبي نعيم بإسكانها ، قال النحاس : يجوز أن يكون محمولا على المعنى : أي انظروا وتدبروا أفغير الله أبتغي حكما ، أومن كان ميتا فأحييناه [ الأنعام : 122 ] والمراد بالميت هنا الكافر أحياه الله بالإسلام ، وقيل : معناه : كان ميتا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الروح فيه .

والأول أولى ، لأن السياق يشعر بذلك لكونه في تنفير المسلمين عن اتباع المشركين ، وكثيرا ما تستعار الحياة للهداية والعلم ، ومنه قول القائل :


وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور     وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت
فليس له حتى النشور نشور

والنور عبارة عن الهداية والإيمان ، وقيل : هو القرآن ، وقيل : الحكمة ، وقيل : هو النور المذكور في قوله تعالى : يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [ الحديد : 12 ] والضمير في به راجع إلى النور كمن مثله في الظلمات أي كمن صفته في الظلمات ، ومثله مبتدأ والظلمات خبره ، والجملة صفة لمن ، وقيل : " مثل " زائدة ، والمعنى : كمن في الظلمات كما تقول : أنا أكرم من مثلك : أي منك ، ومثله فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] .

وقيل : المعنى : كمن مثله مثل من هو في الظلمات ، و ليس بخارج منها في محل نصب على الحال : أي حال كونه ليس بخارج منها بحال من الأحوال .

قوله : 123 - وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها أي مثل ذلك الجعل جعلنا في كل قرية ، والأكابر جمع أكبر ، قيل : هم الرؤساء والعظماء ، وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد ، والمكر : الحيلة في مخالفة الاستقامة ، وأصله الفتل ، فالماكر يفتل عن الاستقامة : أي يصرف عنها وما يمكرون إلا بأنفسهم أي : وبال مكرهم عائد عليهم وما يشعرون بذلك لفرط جهلهم .

124 - وإذا جاءتهم آية من الآيات قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله يريدون أنهم لا يؤمنون حتى يكونوا أنبياء ، وهذا نوع عجيب من جهالاتهم الغريبة وعجرفتهم العجيبة ، ونظيره يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة [ المدثر : 52 ] .

والمعنى : إذا جاءت الأكابر آية قالوا هذه المقالة ، فأجاب الله عنهم بقوله : الله أعلم حيث يجعل رسالته أي إن الله أعلم بمن يستحق أن يجعله رسولا ويكون موضعا لها وأمينا عليها ، وقد اختار أن يجعل الرسالة في محمد صفيه وحبيبه ، فدعوا طلب ما ليس من شأنكم ، توعدهم بقوله : سيصيب الذين أجرموا صغار أي ذل وهوان ، وأصله من الصغر كأن الذل يصغر إلى المرء نفسه ، وقيل : الصغار هو الرضا بالذل ، روي ذلك عن ابن السكيت .

وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، أومن كان ميتا فأحييناه قال : كان كافرا ضالا فهديناه وجعلنا له نورا هو القرآن كمن مثله في الظلمات الكفر والضلالة .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في الآية قال : نزلت في عمار بن ياسر .

وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يعني عمر بن الخطاب كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها يعني أبا جهل بن هشام .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن زيد بن أسلم في الآية قال : نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام كانا ميتين في ضلالتهما فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزه ، وأقر أبا جهل في ضلالته وموته ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا فقال : اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب .

وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في قوله : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها قال : نزلت في المستهزئين .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في الآية قال : سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : أكابر مجرميها عظماءها .

وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في قوله : وإذا جاءتهم آية الآية .

قال : قالوا لمحمد حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق : لو كان هذا حقا لكان فينا من هو أحق أن يؤتى به من محمد وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ الزخرف : 31 ] .

وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، في قوله : سيصيب الذين أجرموا قال : أشركوا صغار قال : هوان .

التالي السابق


الخدمات العلمية