فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون . هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله - سبحانه - بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل ، والحسنى تأنيث الأحسن : أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول ، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة ، فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة ، وقد ثبت في الصحيح : إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وسيأتي ، ويأتي أيضا بيان عددها آخر البحث إن شاء الله .

قوله : وذروا الذين يلحدون في أسمائه الإلحاد : الميل وترك القصد ، يقال : لحد الرجل في الدين وألحد : إذا مال ، ومنه اللحد في القبر لأنه في ناحية ، وقرئ " يلحدون " وهما لغتان ، والإلحاد في أسمائه - سبحانه - يكون على ثلاثة أوجه : إما بالتغيير كما فعله المشركون فإنهم أخذوا اسم اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، أو بالزيادة عليها بأن يخترعوا أسماء من عندهم لم يأذن الله بها ، أو بالنقصان منها بأن يدعوه ببعضها دون بعض ومعنى وذروا الذين يلحدون اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم ، وعلى هذا المعنى فالآية منسوخة بآيات القتال ، وقيل : معناه : الوعيد كقوله - تعالى - : ذرني ومن خلقت وحيدا ( المدثر : 11 ) ، وقوله : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( الحجر : 3 ) وهذا أولى لقوله : سيجزون ما كانوا يعملون فإنه وعيد لهم بنزول العقوبة ، وتحذير للمسلمين أن يفعلوا كفعلهم .

وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين أن هذه الآية نزلت في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته يا رحمن يا رحيم ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ حكى ذلك القرطبي .

وقد أخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وأبو عوانة وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني وابن منده ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر .

وفي لفظ ابن مردويه ، وأبي نعيم : من دعى بها استجاب الله دعاءه .

وزاد الترمذي في سننه بعد قوله يحب الوتر : هو الله الذي لا إله إلا هو ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور .

هكذا أخرج الترمذي هذه الزيادة عن الجوزجاني عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعة وقال : هذا حديث غريب .

وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ، ولا يعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث .

ورواه ابن حبان ، في صحيحه وابن خزيمة ، والحاكم من طريق صفوان بإسناده السابق .

ورواه ابن ماجه في سننه من طريق أخرى عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا فسرد الأسماء المتقدمة بزيادة ونقصان .

قال ابن كثير في تفسيره والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه .

وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك : أي أنهم جمعوها من القرآن كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي .

قال : ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سلمة الجهني ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وأمتك ، ناصيتي بيدك ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا ، فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها .

وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان في صحيحه بمثله . انتهى .

وأخرجه البيهقي أيضا في الأسماء والصفات .

قال ابن حزم : جاءت في إحصائها - يعني الأسماء الحسنى - أحاديث مضطربة لا يصح منها شيء أصلا .

وقد أخرجها بهذا العدد الذي أخرجه الترمذي ، وابن مردويه ، وأبو نعيم عن ابن عباس ، وابن عمر قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكراه ، ولا أدري كيف إسناده .

وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني كلاهما في الدعاء وأبو الشيخ ، والحاكم وابن مردويه ، وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة : إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة : [ ص: 515 ] أسأل الله الرحمن ، الرحيم ، الإله ، الرب ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الحليم ، العليم ، السميع ، البصير ، الحي ، القيوم ، الواسع ، اللطيف ، الخبير ، الحنان ، المنان ، البديع ، الغفور ، الودود ، الشكور ، المجيد ، المبدئ ، المعيد ، النور ، البارئ ، وفي لفظ : القائم ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، العفو ، الغفار ، الوهاب ، الفرد ، وفي لفظ : القادر ، الأحد الصمد ، الوكيل ، الكافي ، الباقي ، المغيث ، الدائم المتعالي ، ذا الجلال والإكرام ، المولى ، البصير ، الحق ، المتين ، الوارث ، المنير ، الباعث ، القدير ، وفي لفظ : المجيب ، المحيي ، المميت ، الحميد ، وفي لفظ : الجميل ، الصادق ، الحفيظ ، المحيط ، الكبير ، القريب ، الرقيب ، الفتاح ، التواب ، القديم ، الوتر ، الفاطر ، الرزاق ، العلام ، العلي ، العظيم ، الغني ، الملك ، المقتدر ، الأكرم ، الرؤوف ، المدبر ، المالك ، القاهر ، الهادي ، الشاكر ، الكريم ، الرفيع ، الشهيد ، الواحد ، ذا الطول ، ذا المعارج ، ذا الفضل ، الخلاق ، الكفيل ، الجليل .

وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال : سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة ؟ فقال : هي في القرآن ، ففي الفاتحة خمسة أسماء : يا الله ، يا رب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا ملك ، وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسما : يا محيط ، يا قدير ، يا عليم ، يا حكيم ، يا علي ، يا عظيم ، يا تواب ، يا بصير ، يا ولي ، يا واسع ، يا كافي ، يا رؤوف ، يا بديع ، يا شاكر ، يا واحد ، يا سميع ، يا قابض ، يا حي ، يا قيوم ، يا غني ، يا حميد ، يا غفور ، يا حليم ، يا إله ، يا قريب ، يا مجيب ، يا عزيز ، يا نصير ، يا قوي ، يا شديد ، يا سريع ، يا خبير ، وفي آل عمران : يا وهاب ، يا قائم ، يا صادق ، يا باعث ، يا منعم ، يا متفضل ، وفي النساء : يا رقيب ، يا حسيب ، يا شهيد ، يا مقيت ، يا وكيل ، يا علي ، يا كبير ، وفي الأنعام : يا فاطر ، يا قاهر ، يا لطيف ، يا برهان ، وفي الأعراف : يا محيي ، يا مميت ، وفي الأنفال : يا نعم المولى ، ويا نعم النصير ، وفي هود : يا حفيظ ، يا مجيد ، يا ودود ، يا فعال لما تريد ، وفي الرعد : يا كبير ، يا متعالي ، وفي إبراهيم : يا منان ، يا وارث ، وفي الحجر : يا خلاق ، وفي مريم : يا فرد ، وفي طه : يا غفار ، وفي قد أفلح ، ( سورة المؤمنون ) يا كريم ، وفي النور : يا حق ، يا مبين ، وفي الفرقان : يا هادي ، وفي سبأ : يا فتاح ، وفي الزمر : يا عالم ، وفي غافر : يا قابل التوب ، يا ذا الطول ، يا رفيع ، وفي الذاريات : يا رزاق ، يا ذا القوة ، يا متين ، وفي الطور : يا بر ، وفي اقتربت : ( أي : سورة القمر ) يا مقتدر ، يا مليك ، وفي الرحمن : يا ذا الجلال والإكرام ، يا رب المشرقين ، يا رب المغربين ، يا باقي ، يا معين ، وفي الحديد : يا أول ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن ، وفي الحشر : يا ملك ، يا قدوس ، يا سلام ، يا مؤمن ، يا مهيمن ، يا عزيز ، يا جبار ، يا متكبر ، يا خالق ، يا بارئ ، يا مصور ، وفي البروج : يا مبدئ ، يا معيد ، وفي الفجر : يا وتر ، وفي الإخلاص : يا أحد ، يا صمد ، انتهى .

وقد ذكر ابن حجر في التلخيص أنه تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررها منه تسعة وتسعين ثم سردها ، فابحثه .

ويؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس ، وابن عمر قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ، وهي في القرآن .

وأخرج البيهقي عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله علمني اسم الله الذي إذا دعي به أجاب ، قال لها : قومي فتوضئي ، وادخلي المسجد فصلي ركعتين ثم ادعي حتى أسمع ، ففعلت ، فلما جلست للدعاء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم وفقها فقالت : اللهم إني أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم ، وأسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر الذي من دعاك به أجبته ، ومن سألك به أعطيته ، قال النبي : أصبتيه أصبتيه .

وقد أطال أهل العلم الكلام على الأسماء الحسنى حتى أن ابن العربي في شرح الترمذي ، حكى عن بعض أهل العلم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وذروا الذين يلحدون في أسمائه قال : الإلحاد ، أن يدعو اللات والعزى في أسماء الله .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه قال : الإلحاد التكذيب .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في الآية قال : اشتقوا العزى من العزيز ، واشتقوا اللات من الله .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء في الآية قال : الإلحاد المضاهاة .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأعمش أنه قرأ " يلحدون " من لحد ، وقال : تفسيرها يدخلون فيها ما ليس منها .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن حميد وابن جرير ، عن قتادة في الآية قال : يشركون .

التالي السابق


الخدمات العلمية