فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم

جعل - سبحانه - التقوى شرطا في الجعل المذكور مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جريا على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضا ، والتقوى : اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه ، والفرقان ما يفرق به بين الحق والباطل ، [ ص: 536 ] والمعنى : أنه يجعل لهم من ثبات القلوب ، وثقوب البصائر ، وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس ، وقيل : الفرقان المخرج من الشبهات ، والنجاة من كل ما يخافونه ، ومنه قول الشاعر :


ما لك من طول الأسى فرقان بعد قطين رحلوا وبانوا

ومنه قول الآخر :


وكيف أرجى الخلد والموت طالبي     وما لي من كأس المنية فرقان

وقال الفراء : المراد بالفرقان الفتح والنصر .

قال ابن إسحاق : الفرقان الفصل بين الحق والباطل ، وبمثله قال ابن زيد .

وقال السدي ، : الفرقان النجاة .

ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة قوله - تعالى - : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( الطلاق : 2 ) وبه قال مجاهد ، ومالك بن أنس .

ويكفر عنكم سيئاتكم أي يسترها حتى تكون غير ظاهرة ويغفر لكم ما اقترفتم من الذنوب ، وقد قيل : إن المراد بالسيئات : الصغائر ، وبالذنوب التي تغفر : الكبائر ، وقيل : المعنى أنه يغفر لهم ما تقدم من الذنوب وما تأخر والله ذو الفضل العظيم فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب .

وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : يجعل لكم فرقانا قال : هو المخرج .

وأخرج ابن جرير عنه قال : هو النجاة .

وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : هو النصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية