ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني  وإن هم إلا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون  وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون  بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون  والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون  وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون  
قوله : ومنهم أي من 
اليهود     . 
والأمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب ، ومنه حديث  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019421إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وقال 
أبو عبيدة     : إنما قيل لهم : أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب ، فكأنه قال : ومنهم أهل الكتاب ، وقيل : هم  
المجوس ،  وقيل غير ذلك والراجح الأول . 
ومعنى : 
لا يعلمون الكتاب إلا أماني أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها ويعللون بها أنفسهم .  
والأماني جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه ، فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم مغفورا لهم بما يدعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة ، أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم ، وقيل : الأماني : الأكاذيب كما سيأتي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس     . 
ومنه قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان     : ما تمنيت منذ أسلمت ، أي ما كذبت ، حكاه عنه 
القرطبي  في تفسيره ، وقيل : الأماني : التلاوة ، ومنه قوله تعالى :  
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته  أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ، أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر ، ومنه قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك     : 
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر  
وقال آخر : 
تمنى كتاب الله آخر ليلة     تمني داود الزبور على رسل  
وقيل : الأماني : التقدير . 
قال 
الجوهري     : يقال مني له ، أي قدر ، ومنه قول الشاعر : 
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم      حتى تلاقي ما يمني لك الماني 
أي يقدر لك المقدر . 
قال في الكشاف : والاشتقاق من مني إذا قدر ، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه وكذلك المختلق والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا . انتهى .  
و " إن " في قوله : 
وإن هم إلا يظنون  نافية ، أي ما هم . والظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم . كذا في القاموس ، أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ولا يقين ، وقيل : الظن هنا بمعنى الكذب ، وقيل : هو مجرد الحدس .  
لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلون على الأماني ويعتمدون على الظن الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ولا يظفرون بسواه .  
والويل : الهلاك . 
وقال 
الفراء     : الأصل في الويل وي ، أي حزن كما تقول : وي لفلان ، أي حزن له ، فوصلته العرب باللام ، قال  
الخليل     : ولم نسمع على بنائه إلا ويح ، وويس ، وويه ، وويك ، وويب ، وكله متقارب في المعنى ، وقد فرق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها ، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأنه فيه معنى الدعاء .  
والكتابة معروفة ، والمراد : أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله .  
وقوله : ( بأيديهم ) تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله :  
ولا طائر يطير بجناحيه وقوله : 
يقولون بأفواههم وقال 
ابن سراج     : هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم .  
وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم    
[ ص: 71 ] قوله : 
يكتبون الكتاب فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك . 
والاشتراء : الاستبدال ، وقد تقدم الكلام عليه ، ووصفه بالقلة لكونه فانيا لا ثواب فيه ، أو لكونه حراما لا تحل به البركة ، فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله ، لينالوا بهذه المعاصي المتكررة هذا العرض النزير والعوض الحقير .  
وقوله : 
مما يكسبون قيل : من الرشا ونحوها ، وقيل : من المعاصي ، وكرر الويل تغليظا عليهم وتعظيما لفعلهم وهتكا لأستارهم .  
وقالوا أي اليهود 
لن تمسنا النار الآية . 
وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه .  
والمراد بقوله : 
قل أتخذتم عند الله عهدا  الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، أي لم يتقدم لكم مع الله عهد بهذا ، ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك وعدم إخلاف العهد ، أي إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون .  
قال في الكشاف : و " أم " إما أن تكون معادلة بمعنى أي الأمرين كائن . على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون أحدهما ، ويجوز أن تكون منقطعة . انتهى ، وهذا توبيخ لهم شديد .  
قال 
الرازي  في تفسيره : العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد ، وإنما سمي خبره سبحانه عهدا لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة .  
وقوله : ( بلى ) إثبات بعد النفي ، أي بلى تمسكم لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياما معدودة .  
والسيئة : المراد بها الجنس هنا ، ومثله قوله تعالى :  
وجزاء سيئة سيئة مثلها ، 
من يعمل سوءا يجز به ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار ، بل لا بد أن تكون سيئة محيطة به ، قيل : هي الشرك وقيل : الكبيرة .  
وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار ، ويؤيد ذلك كونها نازلة في  
اليهود  وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . 
وقد قرأ  
نافع     " خطياته " بالجمع ، وقرأ الباقون بالإفراد ، وقد تقدم تفسير الخلود .  
وقد أخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في قوله : 
ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب  قال : لا يدرون ما فيه 
وإن هم إلا يظنون  قال : وهم يجحدون نبوتك بالظن . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير   عنه ، قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله .  
وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عن 
النخعي  قال : منهم من لا يحسن أن يكتب . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير   وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في قوله : ( إلا أماني ) قال : الأحاديث . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عنه أنها الكذب . 
وكذا روى مثله 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد   عن 
مجاهد ،  وزاد 
وإن هم إلا يظنون قال : إلا يكذبون . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  وابن المنذر  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في قوله : 
فويل للذين يكتبون الكتاب  قال : نزلت في أهل الكتاب . 
وأخرج 
أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي   nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان  في صحيحه 
والحاكم  في مستدركه ، وصححه عن 
أبي سعيد  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019422ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  من حديث 
عثمان  مرفوعا قال : 
الويل جبل في النار    . 
وأخرج 
البزار  وابن مردويه  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص  مرفوعا أنه حجر في النار . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم   عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في قوله : 
فويل للذين يكتبون الكتاب  قال : هم أحبار 
اليهود ،  وجدوا 
صفة النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة  أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه ، فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا ، فأتاهم نفر من  
قريش  فقالوا : تجدون في التوراة نبيا أميا ؟ فقالوا : نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر ، فأنكرت  
قريش  وقالوا : ليس هذا منا ، وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عنه في قوله : ( ثمنا قليلا ) قال : عرضا من عرض الدنيا فويل لهم قال : فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب  
وويل لهم مما يكسبون يقول : مما يأكلون به أموال الناس السفلة وغيرهم . 
وقد ذكر صاحب الدر المنثور آثارا عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية ، ولا دلالة فيها على ذلك ، ثم ذكر آثارا عن جماعة منهم أنهم جوزوا ذلك ولم يكرهوه .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم   nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني  والواحدي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : أن 
اليهود  كانوا يقولون : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة ، ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله في ذلك  
وقالوا لن تمسنا النار الآية    . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عنه قال : وجد أهل الكتاب 
مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين  فقالوا : لن تعذب أهل النار إلا قدر أربعين ، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر ، وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة ، فقال لهم خزنة النار : يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة ، فقد انقضى العدد وبقي الأبد ، فيؤخذون في الصعود يرهقون على وجوههم .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عنه أن 
اليهود  قالوا : لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة مدة عبادة العجل .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عن عكرمة  قال : اجتمعت يهود  يوما فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودات أربعين يوما ثم يخلفنا فيها ناس ، وأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد يديه على رأسه : كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدا ففيهم نزلت هذه الآية  وقالوا لن تمسنا النار    . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم  مرفوعا نحوه . 
وأخرج 
أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري   nindex.php?page=showalam&ids=14272والدارمي   nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  nindex.php?page=hadith&LINKID=1019425أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود   في خيبر    : من   [ ص: 72 ] أهل النار ؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ، ثم تخلفونا فيها ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدا     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
مجاهد  في قوله : 
قل أتخذتم عند الله عهدا  أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون    . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنه فسر العهد هنا بأنهم قالوا : لا إله إلا الله ، لم يشركوا به ولم يكفروا     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد  عن 
قتادة  في قوله : 
أم تقولون على الله ما لا تعلمون  قال : قال القوم الكذب والباطل ، وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في قوله : 
بلى من كسب سيئة  قال : الشرك    . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد  عن 
مجاهد  وعكرمة  وقتادة  مثله . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  في قوله : " وأحاطت به خطيئته " قال : أحاط به شركه     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  في قوله : 
بلى من كسب سيئة أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم حتى يحيط كفره بما له من حسنة  
فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات  أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد  عن 
قتادة  في قوله : " وأحاطت به خطيئته " قال : هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
الحسن  أنه قال : كل ما وعد الله عليه النار فهو الخطيئة     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة   nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خيثم  قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب  وأخرج مثله 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش     .