ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل  وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون  وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون  
الكتاب : التوراة ، والتقفية : الإتباع والإرداف ، مأخوذة من القفا وهو مؤخر العنق ، تقول : استقفيته : إذا جئت من خلفه ، ومنه سميت قافية الشعر لأنها تتلو سائر الكلام .  
والمراد أن الله سبحانه أرسل على أثره رسلا جعلهم تابعين له وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده .  
و البينات الأدلة التي ذكرها الله في آل عمران والمائدة .  
والتأييد : التقوية . 
وقرأ 
مجاهد  وابن محيصن     " وآيدناه " بالمد وهما لغتان . 
وروح القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة : أي الروح المقدسة .  
والقدس : الطهارة ، والمقدس : المطهر ، وقيل : هو 
جبريل  أيد الله به 
عيسى ،  ومنه قول 
حسان     : 
وجبريل  أمين الله فينا وروح القدس ليس به خفاء  
قال 
النحاس     : وسمي 
جبريل  روحا وأضيف إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة . وقيل : القدس هو الله عز وجل ، وروحه  
جبريل ،  وقيل : 
المراد بروح القدس    : الاسم الذي كان 
عيسى  يحيي به الموتى ، وقيل : المراد به الإنجيل ، وقيل : المراد به الروح المنفوخ فيه ، أيده الله به لما فيه من القوة .  
وقوله : 
بما لا تهوى أنفسكم أي بما لا يوافقها ويلائمها ، وأصل الهوى : الميل إلى الشيء .  
قال 
الجوهري     : وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار . 
وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال :  
أفكلما جاءكم رسول منكم بما لا يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة ، والفاء في قوله : أفكلما للعطف على مقدر أي آتيناكم يا بني إسرائيل من الأنبياء ما آتيناكم أفكلما جاءكم رسول .  
و ( فريقا ) منصوب بالفعل الذي بعده والفاء للتفصيل ، ومن الفريق المكذبين  
عيسى  ومحمد ،  ومن الفريق المقتولين 
يحيى  وزكريا     . 
والغلف جمع أغلف ، المراد به هنا : الذي عليه غشاوة تمنع من وصول الكلام إليه ، ومنه غلفت السيف ، أي جعلت له غلافا .  
قال في الكشاف : هو مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقوله :  
قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وقيل : إن الغلف جمع غلاف مثل حمار وحمر ، أي قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك ، وقد وعينا علما كثيرا ، فرد الله عليهم ما قالوه فقال :  
بل لعنهم الله بكفرهم وأصل اللعن في كلام العرب الطرد والإبعاد ، ومنه قول الشماخ :  
ذعرت به القطا ونفيت عنه     مقام الذئب كالرجل اللعين  
أي كالرجل المطرود . 
والمعنى : أبعدهم الله من رحمته ، و قليلا نعت لمصدر محذوف ، أي إيمانا قليلا ما يؤمنون و ( ما ) زائدة ، وصف إيمانهم بالقلة لأنهم الذين قص الله علينا من عنادهم وعجرفتهم وشدة لجاجهم ، وبعدهم عن إجابة الرسل ما قصه ، ومن جملة ذلك أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .  
وقال 
معمر     : المعنى لا يؤمنون إلا قليلا مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، وعلى هذا يكون ( قليلا ) منصوبا بنزع الخافض .  
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي     : معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي      : تقول العرب مررنا بأرض قل ما تنبت الكراث والبصل أي لا تنبت شيئا .  
وقد أخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في قوله : 
ولقد آتينا موسى الكتاب  يعني به التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة 
وقفينا من بعده بالرسل يعني رسولا يدعى  
أشمويل بن بابل ،  ورسولا يدعى 
منشابيل ،  ورسولا يدعى  
شعياء ،  ورسولا يدعى 
حزقيل ،  ورسولا يدعى 
أرمياء  وهو 
الخضر ،  ورسولا يدعى 
داود  وهو أبو  
سليمان  ورسولا يدعى المسيح 
عيسى ابن مريم ،  فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم من الأمة بعد موسى فأخذنا عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة  
محمد  صلى الله عليه وسلم وصفة أمته    . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عنه في قوله : 
وآتينا عيسى ابن مريم البينات  قال : هي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب ، وما ورد عليهم من التوراة والإنجيل الذي أحدث الله إليه .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عنه في قوله : وأيدناه قال : قويناه . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عنه قال : روح من القدس الاسم الذي كان 
عيسى  يحيي به الموتى . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عن 
مجاهد  قال : القدس الله تعالى . 
وأخرج عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس   مثله . 
وأخرج عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال : القدس الطهر . 
وأخرج عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قال : القدس البركة . 
وأخرج عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد   أن روح القدس 
جبريل     . 
وأخرج عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  مثله . 
وأخرج 
أبو الشيخ  في العظمة عن 
جابر  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : روح القدس  جبريل     . 
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019427اللهم أيد حسان  بروح القدس    . 
وأخرج    
[ ص: 75 ]  nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير  في قوله : فريقا قال : طائفة . 
وأخرج عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   قال : إنما سمي القلب لتقلبه . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني   في الأوسط عنه أنه كان يقرأ " قلوبنا غلف " مثقلة ، أي كيف نتعلم وقلوبنا غلف للحكمة ، أي أوعية للحكمة .  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عنه في قوله : 
وقالوا قلوبنا غلف مملوءة علما لا تحتاج إلى علم 
محمد  ولا غيره . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  عنه في قوله : 
قلوبنا غلف قال : في غطاء ، وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عنه أنه قال : في أكنة . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عنه أنه قال : هي القلوب المطبوع عليها . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع  عن 
عكرمة   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
مجاهد  نحوه . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
قتادة  قال : هي التي لا تفقه . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة    nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا  في كتاب الإخلاص 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
حذيفة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019428القلوب أربعة : قلب أغلف فذلك قلب الكافر ، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق ، وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن ، وقلب فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب ، ومثل المنافق كمثل قرحة يمدها القيح والدم     . 
وأخرج 
أحمد  بسند جيد عن 
أبي سعيد  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019429القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهى ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح ، فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه     . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي  مثله سواء موقوفا . 
وأخرج 
عبد الرزاق   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  عن 
قتادة  في قوله : 
فقليلا ما يؤمنون قال : لا يؤمن منهم إلا قليل .