فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
ثم ذكر بقية الفاتحة مالك يوم الدين قرئ ملك ومالك وملك بسكون اللام وملك بصيغة الفعل .

وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ ( ملك ) أو ( مالك ) ؟ فقيل : إن ملك أعم وأبلغ من مالك ، إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكا ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا ينصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد والمبرد ورجحه الزمخشري .

وقيل : مالك أبلغ لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم .

وقال أبو حاتم : إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من ملك ، وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك ، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا .

واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي .

والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر ، فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما [ ص: 18 ] هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها ، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية ، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور .

والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته ، والمالك صفة لفعله .

و ( يوم الدين ) : يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال : وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله [ الانفطار : 17 - 19 ] وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار ، و ( يوم الدين ) وإن كان متأخرا فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك : هذا ضارب زيدا غدا .

وقد أخرج الترمذي عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ " ( ملك ) بغير ألف " .

وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس .

وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضا : " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرءون ( مالك ) بالألف " .

وأخرج نحوه سعيد بن منصور عن ابن عمر مرفوعا .

وأخرج نحوه أيضا وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن الزهري يرفعه مرسلا .

وأخرجه أيضا عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعا مرسلا .

وقد روي هذا من طرق كثيرة ، فهو أرجح من الأول .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ مالك يوم الدين " وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعا .

وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب .

وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ( يوم الدين ) : يوم يدين الله العباد بأعمالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية