فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ( 75 ) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ( 76 ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( 77 ) وتركنا عليه في الآخرين ( 78 ) سلام على نوح في العالمين ( 79 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 80 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 81 ) ثم أغرقنا الآخرين ( 82 ) وإن من شيعته لإبراهيم ( 83 ) إذ جاء ربه بقلب سليم ( 84 ) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ( 85 ) أئفكا آلهة دون الله تريدون ( 86 ) فما ظنكم برب العالمين ( 87 ) فنظر نظرة في النجوم ( 88 ) فقال إني سقيم ( 89 ) فتولوا عنه مدبرين ( 90 ) فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ( 91 ) ما لكم لا تنطقون ( 92 ) فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93 ) فأقبلوا إليه يزفون ( 94 ) قال أتعبدون ما تنحتون ( 95 ) والله خلقكم وما تعملون ( 96 ) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( 97 ) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ( 98 ) وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( 99 ) رب هب لي من الصالحين ( 100 ) فبشرناه بغلام حليم ( 101 ) فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( 102 ) فلما أسلما وتله للجبين ( 103 ) وناديناه أن ياإبراهيم ( 104 ) قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ( 105 ) إن هذا لهو البلاء المبين ( 106 ) وفديناه بذبح عظيم ( 107 ) وتركنا عليه في الآخرين ( 108 ) سلام على إبراهيم ( 109 ) كذلك نجزي المحسنين ( 110 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 111 ) وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( 112 ) وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ( 113 )

لما ذكر - سبحانه - أنه أرسل في الأمم الماضية منذرين ذكر تفصيل بعض ما أجمله فقال : ولقد نادانا نوح واللام هي الموطئة للقسم ، وكذا اللام في قوله : فلنعم المجيبون أي : نحن ، والمراد أن نوحا دعا ربه على قومه لما عصوه ، فأجاب الله دعاءه وأهلك قومه بالطوفان .

فالنداء هنا هو نداء الدعاء لله والاستغاثة به ، كقوله : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] وقوله : أني مغلوب فانتصر [ القمر : 10 ] قال الكسائي أي : فلنعم المجيبون له كنا .

ونجيناه وأهله من الكرب العظيم المراد بأهله أهل دينه ، وهم من آمن معه وكانوا ثمانين ، والكرب العظيم هو الغرق ، وقيل : تكذيب قومه له وما يصدر منهم إليه من أنواع الأذايا .

وجعلنا ذريته هم الباقين وحدهم دون غيرهم كما يشعر به ضمير الفصل ، وذلك لأن الله أهلك الكفرة بدعائه ولم يبق منهم باقية ، ومن كان معه في السفينة من المؤمنين ماتوا كما قيل ولم يبق إلا أولاده .

قال سعيد بن المسيب : كان ولد نوح ثلاثة والناس كلهم من ولد نوح ، فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى .

وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب : السند ، والهند ، والنوب ، والزنج ، والحبشة ، والقبط ، والبربر وغيرهم .

ويافث أبو الصقالب والترك والخزر ويأجوج ومأجوج وغيرهم .

وقيل : إنه كان لمن مع نوح ذرية كما يدل عليه قوله ذرية من حملنا مع نوح [ الإسراء : 3 ] وقوله قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم [ هود : 48 ] فيكون على هذا معنى وجعلنا ذريته هم الباقين وذريته وذرية من معه دون ذرية من كفر ، فإن الله أغرقهم فلم يبق لهم ذرية .

وتركنا عليه في الآخرين يعني في الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة من الأمم .

والمتروك هذا هو قوله : سلام على نوح أي : تركنا هذا الكلام بعينه وارتفاعه على الحكاية ، والسلام هو الثناء الحسن أي : يثنون عليه ثناء حسنا ويدعون له ويترحمون عليه .

قال الزجاج : تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة ، وذلك الذكر هو قوله : سلام على نوح .

قال الكسائي : في ارتفاع ( سلام ) وجهان : أحدهما وتركنا عليه في الآخرين يقال : سلام على نوح . والوجه الثاني أن يكون المعنى : وأبقينا عليه ، وتم الكلام ، ثم ابتدأ فقال : سلام على نوح أي : وسلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين .

قال المبرد أي : تركنا عليه هذه الكلمة باقية : يعني يسلمون عليه تسليما ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي كقوله : سورة أنزلناها [ النور : 1 ] وقيل : إنه ضمن تركنا معنى قلنا .

قال الكوفيون : جملة ( سلام على نوح في العالمين ) في محل نصب مفعول " تركنا " ، لأنه [ ص: 1244 ] ضمن معنى قلنا .

قال الكسائي : وفي قراءة ابن مسعود " سلاما " منصوب بـ " تركنا " أي : تركنا عليه ثناء حسنا ، وقيل : المراد بالآخرين أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، و " في العالمين " متعلق بما تعلق به الجار والمجرور الواقع خبرا ، وهو على نوح أي : سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح في العالمين من الملائكة والجن والإنس ، وهذا يدل على عدم اختصاص ذلك بأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قيل .

إنا كذلك نجزي المحسنين هذه الجملة تعليل لما قبلها من التكرمة لنوح بإجابة دعائه وبقاء الثناء من الله عليه وبقاء ذريته أي : إنا كذلك نجزي من كان محسنا في أقواله وأفعاله راسخا في الإحسان معروفا به ، والكاف في كذلك نعت مصدر محذوف أي : جزاء كذلك الجزاء .

إنه من عبادنا المؤمنين هذا بيان لكونه من المحسنين وتعليل له بأنه كان عبدا مؤمنا مخلصا لله .

ثم أغرقنا الآخرين أي : الكفرة الذين لم يؤمنوا بالله ولا صدقوا نوحا .

ثم ذكر - سبحانه - قصة إبراهيم وبين أنه ممن شايع نوحا فقال : وإن من شيعته لإبراهيم أي : من أهل دينه وممن شايعه ووافقه على الدعاء إلى الله ، وإلى توحيده ، والإيمان به . قال مجاهد : أي : على منهاجه وسنته . قال الأصمعي : الشيعة الأعوان وهو مأخوذ من الشياع ، وهو الحطب الصغار الذي يوقد مع الكبار حتى يستوقد ، وقال الفراء : المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم ، فالهاء في شيعته على هذا لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وكذا قال الكلبي . ولا يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق .

والظرف في قوله : إذ جاء ربه بقلب سليم منصوب بفعل محذوف أي : اذكر ، وقيل : بما في الشيعة من معنى المتابعة .

قال أبو حيان : لا يجوز ; لأن فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي ، وهو إبراهيم ، والأولى أن يقال : إن لام الابتداء تمنع ما بعدها من العمل فيما قبلها ، والقلب السليم المخلص من الشرك والشك .

وقيل : هو الناصح لله في خلقه ، وقيل : الذي يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور .

ومعنى مجيئه إلى ربه يحتمل وجهين : أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته . الثاني عند إلقائه في النار .

وقوله : إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون بدل من الجملة الأولى ، أو ظرف ل " سليم " ، أو ظرف ل " جاء " ، والمعنى : وقت قال لأبيه آزر وقومه من الكفار : أي شيء تعبدون .

أئفكا آلهة دون الله تريدون انتصاب " إفكا " على أنه مفعول لأجله ، وانتصاب ( آلهة ) على أنه مفعول ( تريدون ) ، والتقدير أتريدون آلهة من دون الله للإفك ، و " دون " ظرف ل " تريدون " ، وتقديم هذه المعمولات للفعل عليه للاهتمام .

وقيل : انتصاب " إفكا " على أنه مفعول به ل ( تريدون ) ، و ( آلهة ) بدل منه ، جعلها نفس الإفك مبالغة ، وهذا أولى من الوجه الأول .

وقيل : انتصابه على الحال من فاعل ( تريدون ) أي : أتريدون آلهة آفكين أو ذوي إفك .

قال المبرد : الإفك أسوأ الكذب ، وهو الذي لا يثبت ويضطرب ومنه ائتفكت بهم الأرض .

فما ظنكم برب العالمين أي : ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره وما ترونه يصنع بكم ؟ وهو تحذير مثل قوله ما غرك بربك الكريم [ الانفطار : 6 ] وقيل : المعنى : أي شيء توهمتموه بالله حتى أشركتم به غيره .

فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم قال الواحدي : قال المفسرون : كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم بذلك لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم لتلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه ، وأراد أن يتخلف عنهم فاعتل بالسقم : وذلك أنهم كلفوه أن يخرج معهم إلى عيدهم فنظر إلى النجوم يريهم أنه مستدل بهم على حاله ، فلما نظر إليها قال : إني سقيم أي : سأسقم .

وقال الحسن : إنهم لما كلفوه أن يخرج معهم تفكر فيما يعمل ، فالمعنى على هذا أنه نظر فيما نجم له من الرأي أي : فيما طلع له منه ، فعلم أن كل شيء يسقم .

فقال إني سقيم قال الخليل والمبرد : يقال للرجل إذا فكر في الشيء يدبره : نظر في النجوم وقيل : كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تعتاده فيها الحمى .

وقال الضحاك : معنى إني سقيم : سأسقم سقم الموت ، لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ثم يموت ، وهذا تورية وتعريض كما قال للملك لما سأله عن سارة هي أختي : يعني أخوة الدين .

وقال سعيد بن جبير : أشار لهم إلى مرض يسقم ويعدي وهو الطاعون وكانوا يهربون من ذلك .

ولهذا قال : فتولوا عنه مدبرين أي : تركوه وذهبوا مخافة العدوى .

فراغ إلى آلهتهم يقال : راغ يروغ روغا وروغانا : إذا مال ، ومنه طريق رائغ ، أي : مائل .

ومنه قول الشاعر :


فيريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب



وقال السدي : ذهب إليهم ، وقال أبو مالك : جاء إليهم ، وقال الكلبي : أقبل عليهم ، والمعنى متقارب فقال ألا تأكلون أي : فقال إبراهيم للأصنام التي راغ إليها استهزاء وسخرية : ألا تأكلون من الطعام الذي كانوا يصنعونه لها ، وخاطبها كما يخاطب من يعقل ، لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة .

وكذا قوله : ما لكم لا تنطقون فإنه خاطبهم خطاب من يعقل ، والاستفهام للتهكم بهم لأنه قد علم أنها جمادات لا تنطق .

قيل : إنهم تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها وليأكلوه إذا رجعوا من عيدهم .

وقيل : تركوه للسدنة ، وقيل : إن إبراهيم هو الذي قرب إليهم الطعام مستهزئا بها .

فراغ عليهم ضربا باليمين أي : فمال عليهم يضربهم ضربا باليمين فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف ، أو هو مصدر ل : راغ ، لأنه بمعنى ضرب .

قال الواحدي : قال المفسرون : يعني بيده اليمنى يضربهم بها . وقال السدي : بالقوة والقدرة لأن اليمين أقوى اليدين . قال الفراء وثعلب : ضربا بالقوة ، واليمين القوة .

وقال الضحاك والربيع بن أنس : المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال : وتالله لأكيدن أصنامكم [ الأنبياء : 57 ] وقيل : المراد باليمين هنا العدل كما في قوله : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين [ الحاقة : 44 ، 45 ] أي : بالعدل ، واليمين كناية عن [ ص: 1245 ] العدل كما أن الشمال كناية عن الجور ، وأول هذه الأقوال أولاها .

فأقبلوا إليه يزفون أي : أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون لما علموا بما صنعه بها ، و ( يزفون ) في محل نصب على الحال من فاعل أقبلوا .

قرأ الجمهور يزفون بفتح الياء من زف الظليم يزف إذا عدا بسرعة ، وقرأ حمزة بضم الياء من أزف يزف أي : دخل في الزفيف ، أو يحملون غيرهم على الزفيف .

قال الأصمعي : أزففت الإبل أي : حملتها على أن تزف ، وقيل : هما لغتان ، يقال : زف القوم وأزفوا ، وزفت العروس وأزففتها ، حكي ذلك عن الخليل .

قال النحاس : زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة : يعني يزفون بضم الياء ، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء ، وشبهها بقولهم أطردت الرحل أي : صيرته إلى ذلك ، وقال المبرد : الزفيف الإسراع . وقال الزجاج : الزفيف أول عدو النعام . وقال قتادة والسدي : ومعنى ( يزفون ) يمشون . وقال الضحاك : يسعون . وقال يحيى بن سلام : يرعدون غضبا . وقال مجاهد : يختالون أي : يمشون مشي الخيلاء ، وقيل : يتسللون تسللا بين المشي والعدو ، والأولى تفسير ( يزفون ) بـ : يسرعون ، وقرئ " يزفون " على البناء للمفعول ، وقرئ " يزفون " ك : يرمون .

وحكى الثعلبي عن الحسن ومجاهد ، وابن السميفع أنهم قرءوا " يرفون " بالراء المهملة ، وهي ركض بين المشي والعدو .

قال أتعبدون ما تنحتون لما أنكروا على إبراهيم ما فعله بالأصنام ، ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها فقال مبكتا لهم ومنكرا عليهم أتعبدون ما تنحتون أي : أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها ، والنحت النجر والبري ، نحته ينحته بالكسر نحتا أي : براه ، والنحاتة البراية .

وجملة والله خلقكم وما تعملون في محل نصب على الحال من فاعل " تعبدون " ، و " ما " في وما تعملون موصولة أي : وخلق الذي تصنعونه على العموم ويدخل فيها الأصنام التي ينحتونها دخولا أوليا ، ويكون معنى العمل هنا التصوير والنحت ونحوهما ، ويجوز أن تكون مصدرية أي : خلقكم وخلق عملكم ، ويجوز أن تكون استفهامية ، ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقريع أي : وأي شيء تعملون ، ويجوز أن تكون نافية ، أي : إن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئا ، وقد طول صاحب الكشاف الكلام في رد قول من قال إنها مصدرية ، ولكن بما لا طائل تحته ، وجعلها موصولة أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام .

قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم مستأنفة جواب سؤال مقدر كالجملة التي قبلها ، قالوا هذه المقالة لما عجزوا عن جواب ما أورده عليهم من الحجة الواضحة ، فتشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له حائطا من حجارة ويملئوه حطبا ويضرموه ، ثم يلقوه فيه ، والجحيم النار الشديدة الاتقاد قال الزجاج وكل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم ، واللام في ( الجحيم ) عوض عن المضاف إليه أي : في جحيم ذلك البنيان .

ثم لما ألقوه فيها نجاه الله منها وجعلها عليه : بردا وسلاما ، وهو معنى قوله : فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين الكيد : المكر والحيلة أي : احتالوا لإهلاكه فجعلناهم الأسفلين المقهورين المغلوبين ، لأنها قامت له بذلك عليهم الحجة التي لا يقدرون على دفعها ولا يمكنهم جحدها ، فإن النار الشديدة الاتقاد العظيمة الاضطرام المتراكمة الجمار إذا صارت بعد إلقائه عليها بردا وسلاما ، ولم تؤثر فيه أقل تأثير كان ذلك من الحجة بمكان يفهمه كل من له عقل ، وصار المنكر له سافلا ساقط الحجة ظاهر التعصب واضح التعسف وسبحان من يجعل المحن لمن يدعو إلى دينه منحا ، ويسوق إليهم الخير بما هو من صور الضير .

ولما انقضت هذه الوقعة وأسفر الصبح لذي عينين ، وظهرت حجة الله لإبراهيم ، وقامت براهين نبوته ، وسطعت أنوار معجزته .

وقال إني ذاهب إلى ربي أي : مهاجر من بلد قومي الذين فعلوا ما فعلوا تعصبا للأصنام وكفرا بالله وتكذيبا لرسله إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه .

أو إلى حيث أتمكن من عبادته سيهدين أي : سيهديني إلى المكان الذي أمرني بالذهاب إليه ، أو إلى مقصدي .

وقيل : إن الله - سبحانه - أمره بالمسير إلى الشام ، وقد سبق بيان هذا في سورة الكهف مستوفى .

قال مقاتل : فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال : رب هب لي من الصالحين أي : ولدا صالحا من الصالحين يعينني على طاعتك ويؤنسني في الغربة هكذا قال المفسرون ، وعللوا ذلك بأن الهبة قد غلب معناها في الولد ، فتحمل عند الإطلاق عليه ، وإذا وردت مقيدة حملت على ما قيدت به كما في قوله : ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا [ مريم : 53 ] .

وعلى فرض أنها لم تغلب في طلب الولد .

فقوله : فبشرناه بغلام حليم يدل على أنه ما أراد بقوله : رب هب لي من الصالحين إلا الولد ، ومعنى " حليم " : أن يكون حليما عند كبره ، فكأنه بشر ببقاء ذلك الغلام حتى يكبر ويصير حليما ، لأن الصغير لا يوصف بالحلم .

قال الزجاج : هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر ، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن ويوصف بالحلم .

فلما بلغ معه السعي في الكلام حذف كما تشعر به هذه الفاء الفصيحة والتقدير : فوهبنا له الغلام فنشأ حتى صار إلى السن التي يسعى فيها مع أبيه في أمور دنياه .

قال مجاهد : فلما بلغ معه السعي أي : شب وأدرك سعيه سعي إبراهيم . وقال مقاتل : لما مشى معه . قال الفراء كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة . وقال الحسن : هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة .

وقال ابن زيد : هو السعي في العبادة ، وقيل : هو الاحتلام قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك قال إبراهيم لابنه لما بلغ معه ذلك المبلغ : إني رأيت في المنام هذه الرؤيا .

قال مقاتل : رأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات . قال قتادة : رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه . وقد اختلف أهل العلم في الذبيح ؟ هل هو إسحاق أو إسماعيل . قال القرطبي : فقال أكثرهم : الذبيح إسحاق وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب وابن عبد الله ، وهو [ ص: 1246 ] الصحيح عن عبد الله بن مسعود ، ورواه أيضا عن جابر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب ، قال : فهؤلاء سبعة من الصحابة .

قال : ومن التابعين وغيرهم علقمة والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير وكعب الأحبار ، وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبي بزة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط والزهري والسدي وعبد الله بن أبي الهذيل ومالك بن أنس كلهم قالوا الذبيح إسحاق ، وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى ، واختاره غير واحد ، منهم النحاس وابن جرير الطبري وغيرهما .

قال : وقال آخرون : هو إسماعيل ، وممن قال بذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة ، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس أيضا ، ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وعلقمة ، وعن الأصمعي قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ، ومتى كان إسحاق بمكة ؟ وإنما كان إسماعيل بمكة .

قال ابن كثير في تفسيره : وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق ، وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى يقال : عن بعض الصحابة وليس في ذلك كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أخبار أهل الكتاب ، وأخذ مسلما من غير حجة ، وكتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، وقال بعد ذلك وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين اهـ .

واحتج القائلون بأنه إسحاق بأن الله - عز وجل - قد أخبرهم عن إبراهيم حين فارق قومه ، فهاجر إلى الشام مع امرأته سارة وابن أخيه لوط فقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين أنه دعا فقال : رب هب لي من الصالحين فقال - تعالى - فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب [ مريم : 49 ] ولأن الله قال : وفديناه بذبح عظيم فذكر أنه في الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم ، وإنما بشر بإسحاق ، لأنه قال : وبشرناه بإسحاق وقال هنا بغلام حليم وذلك قبل أن يعرف هاجر ، وقبل أن يصير له إسماعيل ، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق .

قال الزجاج الله أعلم أيهما الذبيح . اهـ ، وما استدل به الفريقان يمكن الجواب عنه والمناقشة له .

ومن جملة ما احتج به من قال إنه إسماعيل بأن الله وصفه بالصبر دون إسحاق كما في قوله : وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين [ الأنبياء : 85 ] وهو صبره على الذبح ، ووصفه بصدق الوعد في قوله : إنه كان صادق الوعد [ مريم : 54 ] لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح ، فوفى به ، ولأن الله - سبحانه - قال : وبشرناه بإسحاق نبيا فكيف يأمره بذبحه ، وقد وعده أن يكون نبيا ، وأيضا فإن الله قال : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [ هود : 71 ] فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب ، وأيضا ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة ، فدل على أن الذبيح إسماعيل ، ولو كان إسحاق لكان الذبح واقعا ببيت المقدس وكل هذا أيضا يحتمل المناقشة فانظر ماذا ترى قرأ حمزة والكسائي " تري " بضم الفوقية وكسر الراء ، والمفعولان محذوفان أي : انظر ماذا تريني إياه من صبرك واحتمالك .

وقرأ الباقون من السبعة بفتح التاء والراء من الرأي ، وهو مضارع رأيت ، وقرأ الضحاك ، والأعمش ، " ترى " بضم التاء وفتح الراء مبنيا للمفعول أي : ماذا يخيل إليك ويسنح لخاطرك .

قال الفراء في بيان معنى القراءة الأولى : انظر ماذا ترى من صبرك وجزعك .

قال الزجاج : لم يقل هذا أحد غيره ، وإنما قال العلماء ماذا تشير أي : ما تريك نفسك من الرأي ، وقال أبو عبيد : إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة وكذا قال أبو حاتم ، وغلطهما النحاس وقال : هذا يكون من رؤية العين وغيرها ، ومعنى القراءة الثانية ظاهر واضح ، وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله ، وإلا فرؤيا الأنبياء وحي ، وامتثالها لازم لهم متحتم عليهم قال ياأبت افعل ما تؤمر أي : ما تؤمر به مما أوحي إليك من ذبحي ، و " ما " موصولة ، وقيل : مصدرية على معنى افعل أمرك ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، وتسمية المأمور به أمرا ، والأول أولى ستجدني إن شاء الله من الصابرين على ما ابتلاني به من الذبح ، والتعليق بمشيئة الله - سبحانه - تبركا بها منه .

فلما أسلما أي : استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له .

قرأ الجمهور " أسلمنا " وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس " فلما سلما " أي : فوضا أمرهما إلى الله ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ " استسلما " قال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله ، وأسلم الآخر ابنه ، يقال : سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد .

وقد اختلف في جواب " لما " ماذا هو ؟ فقيل : هو محذوف ، وتقديره : ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما أو فديناه بكبش هكذا قال البصريون .

وقال الكوفيون : الجواب هو ناديناه ، والواو زائدة مقحمة ، واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعاني ولا يجوز أن تزداد ، وقال الأخفش الجواب وتله للجبين والواو زائدة ، وروي هذا أيضا عن الكوفيين ، واعتراض النحاس يرد عليه كما ورد على الأول وتله للجبين التل : الصرع والدفع ، يقال : تللت الرجل : إذا ألقيته ، والمراد أنه أضجعه على جبينه على الأرض ، والجبين أحد جانبي الجبهة ، فللوجه جبينان والجبهة بينهما ، وقيل : كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرقة لقلبه .

واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه ، فقيل : هو مكة في المقام ، وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار ، وقيل : على الصخرة التي بأصل جبل ثبير ، وقيل : بالشام .

وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا أي : عزمت على الإتيان بما رأيته .

قال المفسرون : لما أضجعه للذبح نودي من الجبل يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، وجعله مصدقا بمجرد العزم ، [ ص: 1247 ] وإن لم يذبحه لأنه قد أتى بما أمكنه ، والمطلوب استسلامهما لأمر الله وقد فعلا .

قال القرطبي : قال أهل السنة إن نفس الذبح لم يقع ، ولو وقع لم يتصور رفعه ، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل ، لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء . قال : ومعنى صدقت الرؤيا فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك ، هذا أصح ما قيل في هذا الباب .

وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه ، لأن معنى ذبحت الشيء قطعته ، وقد كان إبراهيم يأخذ السكين فيمر بها على حلقه فتنقلب كما قال مجاهد .

وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم وقالت طائفة منهم السدي : ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس ، فجعل إبراهيم يحز ولا يقطع شيئا .

وقال بعضهم إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم ، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح ، فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي فلما أتى بما به من الإضجاع قيل : له قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين أي : نجزيهم بالخلاص من الشدائد والسلامة من المحن ، فالجملة كالتعليل لما قبلها .

قال مقاتل : جزاه الله - سبحانه - بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه .

إن هذا لهو البلاء المبين البلاء والابتلاء : الاختبار ، والمعنى : إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده .

وقيل : المعنى : إن هذا لهو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح وفداه بالكبش ، يقال : أبلاه الله إبلاء وبلاء : إذا أنعم عليه : والأول أولى ، وإن كان الابتلاء يستعمل في الاختبار بالخير والشر ، ومنه ونبلوكم بالشر والخير فتنة [ الأنبياء : 35 ] ولكن المناسب للمقام المعنى الأول .

قال أبو زيد : هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ولده . قال : وهذا من البلاء المكروه .

وفديناه بذبح عظيم الذبح : اسم المذبوح وجمعه ذبوح كالطحن اسم للمطحون ، وبالفتح المصدر ، ومعنى ( عظيم ) : عظيم القدر ، ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدي به الذبيح ، أو لأنه متقبل .

قال النحاس : العظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف ، وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف أي : المتقبل .

قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .

وقال الحسن : ما فدي إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه .

قال الزجاج : قد قيل : إنه فدي بوعل ، والوعل التيس الجبلي ، ومعنى الآية : جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح .

وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم أي : في الأمم الآخرة التي تأتي بعده ، والسلام الثناء الجميل .

وقال عكرمة : سلام منا ، وقيل : سلامة من الآفات ، والكلام في هذا كالكلام في قوله : سلام على نوح في العالمين وقد تقدم في هذه السورة بيان معناه ، ووجه إعرابه .

كذلك نجزي المحسنين أي : مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله .

إنه من عبادنا المؤمنين أي : الذين أعطوا العبودية حقها ورسخوا في الإيمان بالله وتوحيده .

وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين أي : بشرنا إبراهيم بولد يولد له ويصير نبيا بعد أن يبلغ السن التي يتأهل فيها لذلك ، وانتصاب ( نبيا ) على الحال ، وهي حال مقدرة .

قال الزجاج : إن كان الذبيح إسحاق فيظهر كونها مقدرة والأولى أن يقال : إن من فسر الذبيح بإسحاق جعل البشارة هنا خاصة بنبوته .

وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه ، ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة ، فإن وجود ذي الحال ليس بشرط ، وإنما الشرط المقارنة للفعل ، ومن الصالحين كما يجوز أن يكون صفة ل : ( نبيا ) يجوز أن يكون حالا من الضمير المستتر فيه ، فتكون أحوالا متداخلة .

وباركنا عليه وعلى إسحاق أي : على إبراهيم وعلى إسحاق بمرادفة نعم الله عليهما ، وقيل : كثرنا ولدهما وقيل : إن الضمير في ( عليه ) يعود إلى إسماعيل وهو بعيد ، وقيل : المراد بالمباركة هنا : هي الثناء الحسن عليهما إلى يوم القيامة ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين أي : محسن في عمله بالإيمان والتوحيد ، وظالم لها بالكفر والمعاصي لما ذكر - سبحانه - البركة في الذرية بين أن كون الذرية من هذا العنصر الشريف والمحتد المبارك ليس بنافع لهم ، بل إنما ينتفعون بأعمالهم ، لا بآبائهم ، فإن اليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الضلال البين ، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل فقد ماتوا على الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام .

وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : وجعلنا ذريته هم الباقين يقول : لم يبق إلا ذرية نوح وتركنا عليه في الآخرين يقول : يذكر بخير .

وأخرج الترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : وجعلنا ذريته هم الباقين قال : حام وسام ويافث .

وأخرج ابن سعد وأحمد ، والترمذي وحسنه وأبو يعلى ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة أيضا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم والحديثان هما من سماع الحسن عن سمرة ، وفي سماعه منه مقال معروف ، وقد قيل : إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط وما عداه فبواسطة .

قال ابن عبد البر : وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مثله .

وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، والخطيب في تالي التلخيص عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ولد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث ، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم ، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم ، وولد حام القبط والبربر والسودان وهو من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وإن من شيعته لإبراهيم قال من أهل دينه . وأخرج عبد بن حميد في قوله : إني سقيم قال : مريض . [ ص: 1248 ] وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : مطعون . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : فأقبلوا إليه يزفون قال : يخرجون .

وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله : وقال إني ذاهب إلى ربي قال : حين هاجر .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضا فلما بلغ معه السعي قال : العمل .

وأخرج الطبراني عنه أيضا قال : لما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه : إذا ذبحتني فاعتزل لا أضطرب فينتضح عليك دمي ، فشده فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا .

وأخرج أحمد عنه أيضا مرفوعا مثله مع زيادة وأخرجه عنه موقوفا .

وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضا في قوله : وإن من شيعته لإبراهيم قال : من شيعة نوح على منهاجه وسننه فلما بلغ معه السعي قال شب حتى بلغ سعيه سعي أبيه في العمل فلما أسلما سلما ما أمر به وتله وضع وجهه إلى الأرض ، فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني ، فلا تجهز علي . وأن أجزع ، فأنكص ، فأمتنع منك ، ولكن اربط يدي إلى رقبتي ، ثم ضع وجهي إلى الأرض ، فلما أدخل يده ليذبحه فلم تحل المدية حتى نودي : أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ، قوله : وفديناه بذبح عظيم بكبش عظيم متقبل ، وزعم ابن عباس أن الذبح إسماعيل .

وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : رؤيا الأنبياء وحي وأخرجه البخاري وغيره من قول عبيد بن عمير واستدل بهذه الآية .

وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : المفدي إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق الشعبي عن ابن عباس قال : الذبيح إسماعيل .

وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال : الذبيح إسماعيل .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك وأبي الطفيل عن ابن عباس قال : الذبيح إسماعيل .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله : وفديناه بذبح عظيم قال : إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش .

وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال : رأيت أبا هريرة يخطب على منبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويقول : إن الذي أمر بذبحه إسماعيل .

وأخرج البزار ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : قال نبي الله داود : يا رب أسمع الناس يقولون : رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فاجعلني رابعا ، قال : إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي ، وإن إسحاق جاد لي بنفسه ، وإن يعقوب غاب عنه يوسف ، وتلك بلية لم تنلك وفي إسناده الحسن بن دينار البصري ، وهو متروك عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف .

وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه .

وأخرج الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الذبيح إسحاق .

وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال الذبيح إسحاق .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا مثله .

وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة ، قال : إسحاق ذبيح الله .

وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أكرم الناس ؟ قال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله .

وأخرج ، عبد الرزاق ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : وتله للجبين قال : أكبه على وجهه .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه قال : صرعه للذبح .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله : وفديناه بذبح عظيم قال : كبش أعين أبيض أقرن قد ربط بسمرة في أصل ثبير .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وفديناه بذبح عظيم قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا ، وأخرج عبد بن حميد عنه قال : فدي إسماعيل بكبشين أملحين أقرنين أعينين .

وأخرج ، عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلا قال : نذرت لأنحر نفسي ، فقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، ثم تلا وفديناه بذبح عظيم ، فأمره بكبش فذبحه .

وأخرج الطبراني من طريق أخرى عنه نحوه .

وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله : وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين قال : إنما بشر به نبيا حين فداه الله من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده .

وبما سقناه من الاختلاف في الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل ، وما استدل به المختلفون في ذلك تعلم أنه لم يكن في المقام ما يوجب القطع أو يتعين رجحانه تعينا ظاهرا ، وقد رجح كل قول طائفة من المحققين المنصفين كابن جرير فإنه رجح أنه إسحاق ، ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض مما سقناه هاهنا ، وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل ، وجعل الأدلة على ذلك أقوى وأصح ، وليس الأمر كما ذكره ، فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح إسحاق لم تكن فوقها ولا أرجح منها ، ولم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ذلك شيء ، وما روي عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جدا ، ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق ، وهي محتملة ولا تقوم حجة [ ص: 1249 ] بمحتمل ، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته ، وفي السلامة من الترجيح ، بلا مرجح ، ومن الاستدلال بما هو محتمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية