فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
قال القرطبي هي مكية باتفاق إلا قوله : إنا كاشفو العذاب [ الدخان : 15 ] .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس ، وعبد الله بن الزبير أن سورة الدخان نزلت بمكة .

وأخرج الترمذي ، والبيهقي في الشعب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك .

قال الترمذي بعد إخراجه : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وعمرو بن أبي خثعم ضعيف . قال البخاري : منكر الحديث .

وأخرج الترمذي ، ومحمد بن نصر ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من قرأ ( حم ) الدخان في ليلة جمعة أصبح مغفورا له .

قال الترمذي بعد إخراجه : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وهشام بن المقدام يضعف ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة ، كذا قال أيوب ، ويونس بن عبيد ، وعلي بن زيد ، ويشهد له ما أخرجه ابن الضريس ، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكره ، وما أخرجه ابن الضريس ، عن الحسن مرفوعا بنحوه ، وهو مرسل ، وما أخرجه الدارمي ، ومحمد بن نصر ، عن أبي رافع قال : من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له وزوج من الحور العين .

وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من قرأ سورة ( حم ) الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بها بيتا في الجنة .

بسم الله الرحمن الرحيم

حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ( 16 )

قوله : حم والكتاب المبين قد تقدم - في السورتين المتقدمتين قبل هذه السورة - الكلام على هذا معنى وإعرابا .

[ ص: 1349 ] وقوله : إنا أنزلناه في ليلة مباركة جواب القسم ، وإن جعلت الجواب ( حم ) كانت هذه الجملة مستأنفة ، وقد أنكر بعض النحويين أن تكون هذه الجملة جوابا للقسم لأنها صفة للمقسم به ولا تكون صفة المقسم به جوابا للقسم ، وقال : الجواب إنا كنا منذرين ، واختاره ابن عطية ، وقيل : إن قوله : إنا كنا منذرين جواب ثان ، أو جملة مستأنفة مقررة للإنزال ، وفي حكم العلة له كأنه قال : إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار ، والضمير في أنزلناه راجع إلى الكتاب المبين وهو القرآن .

وقيل : المراد بالكتاب سائر الكتب المنزلة ، والضمير في ( أنزلناه ) راجع إلى القرآن على معنى أنه - سبحانه - أقسم بسائر الكتب المنزلة أنه أنزل القرآن ، والأول أولى .

والليلة المباركة : ليلة القدر كما في قوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر [ القدر : 1 ] ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصك ، وليلة القدر . قال عكرمة : الليلة المباركة هنا ليلة النصف من شعبان . وقال قتادة : أنزل القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ، ثم أنزله الله - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا في البقرة عند قوله : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [ البقرة : 185 ] وقال مقاتل : كان ينزل من اللوح كل ليلة قدر من الوحي على مقدار ما ينزل به جبريل في السنة إلى مثلها من العام ووصف الله - سبحانه - هذه الليلة بأنها مباركة لنزول القرآن فيها وهو مشتمل على مصالح الدين والدنيا ، ولكونها تتنزل فيها الملائكة والروح كما سيأتي في سورة القدر .

ومن جملة بركتها ما ذكره الله - سبحانه - هاهنا بقوله : فيها يفرق كل أمر حكيم ومعنى يفرق : يفصل ويبين من قولهم : فرقت الشيء أفرقه فرقا ، والأمر الحكيم : المحكم ، وذلك أن الله - سبحانه - يكتب فيها ما يكون في السنة من حياة ، وموت ، وبسط ، وقبض ، وخير ، وشر ، وغير ذلك ، كذا قال مجاهد ، وقتادة ، والحسن ، وغيرهم : وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض ، أو مستأنفة لتقرير ما قبلها .

قرأ الجمهور يفرق بضم الياء وفتح الراء مخففا ، وقرأ الحسن ، والأعمش ، والأعرج بفتح الياء وضم الراء ونصب ( كل أمر ) ورفع ( حكيم ) على أنه الفاعل .

والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ؛ لأن الله - سبحانه - أجملها هنا وبينها في سورة البقرة بقوله : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [ البقرة : 185 ] ، وبقوله في سورة القدر : إنا أنزلناه في ليلة القدر [ القدر : 1 ] فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ولا ما يقتضي الاشتباه .

أمرا من عندنا قال الزجاج والفراء : انتصاب أمرا بـ ( يفرق ) أي : يفرق فرقا ؛ لأن أمرا بمعنى فرقا .

والمعنى : إنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ ، فهو على هذا منتصب على المصدرية مثل قولك : يضرب ضربا . قال المبرد : أمرا في موضع المصدر ، والتقدير : أنزلناه إنزالا . وقال الأخفش : انتصابه على الحال أي : آمرين . وقيل : هو منصوب على الاختصاص أي : أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا ، وفيه تفخيم لشأن القرآن وتعظيم له .

وقد ذكر بعض أهل العلم في انتصاب أمرا اثني عشر وجها ، أظهرها ما ذكرناه .

وقرأ زيد بن علي ( أمر ) بالرفع : أي : هو أمر إنا كنا مرسلين هذه الجملة إما بدل من قوله : إنا كنا منذرين أو جواب ثالث للقسم ، أو مستأنفة .

قال الرازي : المعنى : إنا فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين للأنبياء .

رحمة من ربك انتصاب رحمة على العلة أي : أنزلناه للرحمة ، قاله الزجاج .

وقال المبرد : إنها منتصبة على أنها مفعول لمرسلين أي : إنا كنا مرسلين رحمة . وقيل : هي مصدر في موضع الحال أي : راحمين ، قاله الأخفش . وقرأ الحسن ( رحمة ) بالرفع على تقدير : هي رحمة إنه هو السميع لمن دعاه العليم بكل شيء .

ثم وصف - سبحانه - نفسه بما يدل على عظيم قدرته الباهرة ، فقال : رب السماوات والأرض وما بينهما قرأ الجمهور ( رب ) بالرفع عطفا على السميع العليم ، أو على أنه مبتدأ ، وخبره ( لا إله إلا هو ) ، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي : هو رب ، وقرأ الكوفيون رب بالجر على أنه بدل من ربك ، أو بيان له أو نعت إن كنتم موقنين بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما ، وقد أقروه بذلك كما حكاه الله عنهم في غير موضع .

وجملة لا إله إلا هو مستأنفة مقررة لما قبلها ، أو خبر ( رب السماوات ) كما مر ، وكذلك جملة يحيي ويميت فإنها مستأنفة مقررة لما قبلها ربكم ورب آبائكم الأولين قرأ الجمهور بالرفع على الاستئناف بتقدير مبتدأ أي : هو ربكم ، أو على أنه بدل من ( رب السماوات ) ، أو بيان أو نعت له ، وقرأ الكسائي في رواية الشيرازي عنه ، وابن محيصن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو حيوة ، والحسن بالجر ، ووجه الجر ما ذكرناه في قراءة من قرأ بالجر في رب السماوات .

بل هم في شك يلعبون أضرب عن كونهم موقنين إلى كونهم في شك من التوحيد والبعث ، وفي إقرارهم بأن الله خالقهم ، وخالق سائر المخلوقات ، وأن ذلك منهم على طريقة اللعب والهزو ، ومحل ( يلعبون ) الرفع على أنه خبر ثان ، أو النصب على الحال .

فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ لأن كونهم في شك ولعب يقتضي ذلك ، والمعنى : فانتظر لهم يا محمد يوم تأتي السماء بدخان مبين ، وقيل : المعنى : احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين .

وقد اختلف في هذا الدخان المذكور في الآية متى يأتي ؟ فقيل : إنه من أشراط الساعة ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما .

وقد ثبت في الصحيح أنه من جملة العشر الآيات التي تكون قبل قيام الساعة ، وقيل : إنه أمر قد مضى ، وهو ما أصاب قريشا بدعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا ، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما : وذلك حين دعا عليهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بسنين كسني [ ص: 1350 ] يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، وكان الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، وقيل : إنه يوم فتح مكة ، وسيأتي في آخر البحث بيان ما يدل على هذه الأقوال .

وقوله : يغشى الناس صفة ثانية لدخان أي : يشملهم ويحيط بهم هذا عذاب أليم أي : يقولون هذا عذاب أليم ، أو قائلين ذلك ، أو يقول الله لهم ذلك .

ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أي : يقولون ذلك ، وقد روي أنهم أتوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقالوا : إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا ، والمراد بالعذاب الجوع الذي كان بسببه ما يرونه من الدخان ، أو يقولونه إذا رأوا الدخان الذي هو من آيات الساعة ، أو إذا رأوه يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال .

والراجح منها أنه الدخان الذي كانوا يتخيلونه مما نزل بهم من الجهد وشدة الجوع ، ولا ينافي ترجيح هذا ما ورد أن الدخان من آيات الساعة ، فإن ذلك دخان آخر ولا ينافيه أيضا ما قيل : إنه الذي كان يوم فتح مكة ، فإنه دخان آخر على تقدير صحة وقوعه .

أنى لهم الذكرى أي : كيف يتذكرون ويتعظون بما نزل بهم ، " و " الحال أن قد جاءهم رسول مبين يبين لهم كل شيء يحتاجون إليه من أمر الدين والدنيا .

ثم تولوا عنه أي : أعرضوا عن ذلك الرسول الذي جاءهم ولم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه ، بل جاوزوه وقالوا معلم مجنون أي : قالوا : إنما يعلمه القرآن بشر ، وقالوا إنه مجنون ، فكيف يتذكر هؤلاء وأنى لهم الذكرى .

ثم لما دعوا الله بأن يكشف عنهم العذاب وأنه إذا كشفه عنهم آمنوا أجاب - سبحانه - عليهم بقوله : إنا كاشفوا العذاب قليلا أي : إنا نكشفه عنهم كشفا قليلا أو زمانا قليلا ، ثم أخبر الله - سبحانه - عنهم أنهم لا ينزجرون عما كانوا عليه من الشرك ، ولا يفون بما وعدوه به من الإيمان ، فقال : إنكم عائدون أي : إلى ما كنتم عليه من الشرك ، وقد كان الأمر هكذا ، فإن الله - سبحانه - لما كشف عنهم ذلك العذاب رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعناد ، وقيل : المعنى : إنكم عائدون إلينا بالبعث والنشور ، والأول أولى .

يوم نبطش البطشة الكبرى الظرف منصوب بإضمار اذكر ، وقيل : هو بدل من يوم تأتي السماء ، وقيل : هو متعلق بـ منتقمون ، وقيل : بما دل عليه منتقمون وهو ننتقم .

والبطشة الكبرى : هي يوم بدر ، قاله الأكثر .

والمعنى : أنهم لما عادوا إلى التكذيب والكفر بعد رفع العذاب عنهم انتقم الله منهم بوقعة بدر .

وقال الحسن ، وعكرمة : المراد بها عذاب النار ، واختار هذا الزجاج : والأول أولى .

قرأ الجمهور ( نبطش ) بفتح النون وكسر الطاء أي : نبطش بهم ، وقرأ الحسن ، وأبو جعفر بضم الطاء وهي لغة ، وقرأ أبو رجاء ، وطلحة بضم النون وكسر الطاء .

وقد أخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في ليلة مباركة قال : أنزل القرآن في ليلة القدر ، ونزل به جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نجوما لجواب الناس .

وأخرج محمد بن نصر ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله : فيها يفرق كل أمر حكيم قال : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق وموت ، وحياة ومطر ، حتى يكتب الحاج : يحج فلان ، ويحج فلان .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر فيها يفرق كل أمر حكيم قال : أمر السنة إلى السنة إلا الشقاء والسعادة ، فإنه في كتاب الله لا يبدل ولا يغير .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في الشعب قال : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق ، وقد وقع اسمه في الموتى ، ثم قرأ إنا أنزلناه في ليلة مباركة الآية ، يعني ليلة القدر ، قال : ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت ، أو حياة ، أو رزق ، كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها .

وأخرج ابن زنجويه ، والديلمي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى .

وأخرجه ابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس ، وهذا مرسل ، ولا تقوم به حجة ، ولا تعارض بمثله صرائح القرآن .

وما روي في هذا فهو إما مرسل أو غير صحيح .

وقد أورد ذلك صاحب الدر المنثور ، وأورد ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ، وذلك لا يستلزم أنها المراد بقوله في ليلة مباركة .

وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود أن قريشا لما استعصت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبطئوا عن الإسلام قال : اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع ، فأنزل الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين الآية ، فأتي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر ، فاستسقى لهم فسقوا ، فأنزل الله إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فانتقم الله منهم يوم بدر ، فقد مضى البطشة ، والدخان ، واللزام .

وقد روي عن ابن مسعود نحو هذا من غير وجه ، وروي نحوه عن جماعة من التابعين .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن أبي مليكة قال : دخلت على ابن عباس فقال : لم أنم هذه الليلة ، فقلت لم ؟ قال : طلع الكوكب ، فخشيت أن يطرق الدخان .

قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح ، وكذا صححه السيوطي ولكن ليس فيه أنه سبب نزول الآية .

وقد عرفناك أنه لا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع ، وبين كون الدخان من آيات الساعة وعلاماتها وأشراطها .

فقد وردت أحاديث صحاح ، وحسان ، وضعاف بذلك ، وليس فيها أنه سبب نزول الآية ، فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكرها ، والواجب التمسك بما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن دخان قريش عند الجهد والجوع هو سبب النزول ، وبهذا تعرف اندفاع ترجيح من رجح أنه الدخان [ ص: 1351 ] الذي هو من أشراط الساعة كابن كثير في تفسيره ، وغيره ، وهكذا يندفع قول من قال إنه الدخان الكائن يوم فتح مكة متمسكا بما أخرجه ابن سعد ، عن أبي هريرة قال : كان يوم فتح مكة دخان ، وهو قول الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين فإن هذا لا يعارض ما في الصحيحين على تقدير صحة إسناده مع احتمال أن يكون أبو هريرة - رضي الله عنه - ظن من وقوع ذلك الدخان يوم الفتح أنه المراد بالآية ، ولهذا لم يصرح بأنه سبب نزولها .

وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة قال : قال ابن عباس قال ابن مسعود : البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة . قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح .

وقال ابن كثير قبل هذا : فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر ، وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم ، وروي أيضا عن ابن عباس من رواية العوفي عنه ، وعن أبي بن كعب وجماعة وهو محتمل .

والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة كبرى أيضا انتهى .

قلت : بل الظاهر أنه يوم بدر ، وإن كان يوم القيامة يوم بطشة أكبر من كل بطشة ، فإن السياق مع قريش ، فتفسيره بالبطشة الخاصة بهم أولى من تفسيره بالبطشة التي تكون يوم القيامة لكل عاص من الإنس والجن .

التالي السابق


الخدمات العلمية