صفحة جزء
[ ص: 401 ] النوع التاسع عشر

معرفة التصريف

وهو ما يلحق الكلمة ببنيتها ، وينقسم قسمين :

أحدهما : جعل الكلمة على صيغ مختلفة بضروب من المعاني ، وينحصر في التصغير والتكبير ، والمصدر ، واسمي الزمان والمكان ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ، والمقصور والممدود .

والثاني : تغيير الكلمة لمعنى طارئ عليها ، وينحصر في الزيادة والحذف ، والإبدال والقلب والنقل ، والإدغام .

وفائدة التصريف : حصول المعاني المختلفة المتسعة المتشبعة عن معنى واحد ; فالعلم به أهم من معرفة النحو في تعرف اللغة ; لأن التصريف نظر في ذات الكلمة ، والنحو نظر في عوارضها ، وهو من العلوم التي يحتاج إليها المفسر .

قال ابن فارس : " من فاته علمه فاته المعظم ; لأنا نقول " وجد " كلمة مبهمة ، فإذا صرفناها اتضحت ، فقلنا في المال : " وجدا " ، وفي الضالة : " وجدانا " ، وفي الغضب : " موجدة " [ ص: 402 ] ، وفي الحزن : " وجدا " ، وقال تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ( الجن : 15 ) ، وقال تعالى : وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( الحجرات : 9 ) ; فانظر كيف تحول المعنى بالتصريف من الجور إلى العدل .

ويكون ذلك في الأسماء والأفعال ; فيقولون للطريق في الرمل : " خبة " ، وللأرض المخصبة والمجدبة : " خبة " ، وغير ذلك .

وقد ذكر الأزهري أن مادة " دكر " بالدال المهملة مهملة غير مستعملة ، فكتب التاج الكندي على الطرة ما ذكر أنه مهمل : مستعمل ، قال الله تعالى : وادكر بعد أمة ( يوسف : 45 ) ، فهل من مدكر ( القمر : 15 ) ، وهذا الذي قاله سهو أوجبه الغفلة عن قاعدة التصريف ، فإن الدال في الموضعين بدل من الذال ; لأن ادكر أصله اذتكر افتعل من الذكر ، وكذلك مدكر أصله مذتكر مفتعل من الذكر أيضا ، فأبدلت التاء ذالا والذال كذلك ، وأدغمت إحداهما في الأخرى ، فصار اللفظ بهما كما ترى .

وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : سول لهم ( محمد : 25 ) : " سهل لهم ركوب المعاصي " من السول وهو الاسترخاء ، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا " يعرض بابن السكيت .

وقال أيضا : " من بدع التفاسير أن " الإمام " في قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ( الإسراء : 71 ) [ ص: 403 ] جمع " أم " ، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم ; لئلا يفتضح أولاد الزنا ، قال : وليت شعري أيهما أبدع ، أصحة لفظة " أمه " أم بهاء حكمته .

يعني أن " أما " لا يجمع على " إمام " ، هذا كلام من لا يعرف الصناعة ولا لغة العرب .

وقال الراغب في قوله تعالى : فادارأتم فيها ( البقرة : 72 ) هو " تفاعلتم " فأريد منه الإدغام تخفيفا ، وأبدل من التاء دال فسكن للإدغام ، فاجتلبت لها ألف الوصل فحصل على " افاعلتم " .

وقال بعض الأدباء : ادارأتم " افتعلتم " ، وغلط من أوجه :

أولا : أن ادارأتم على ثمانية أحرف ، وافتعلتم على سبعة أحرف .

والثاني : أن الذي يلي ألف الوصل تاء فجعلها دالا .

والثالث : أن الذي يلي الثاني دال فجعلها تاء .

والرابع : أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلا متحركا ، وقد جعله هذا ساكنا .

والخامس : أن هاهنا قد دخل بين التاء والدال زائد ، وفي افتعلت لا يدخل ذلك .

والسادس : أنه أنزل الألف منزلة العين وليست بعين .

[ ص: 404 ] والسابع : أن تاء افتعل قبله حرفان وبعده حرفان ، و ادارأتم بعدها ثلاثة أحرف .

وقال ابن جني : من قال : " اتخذت " افتعلت من الأخذ فهو مخطئ ، قال : وقد ذهب إليه أبو إسحاق الزجاج وأنكره عليه أبو علي ، وأقام الدلالة على فساده ، وهو أن ذلك يؤدي إلى إبدال الهمزة تاء ، وذلك غير معروف .

التالي السابق


الخدمات العلمية