صفحة جزء
والثاني : تجنب الأعاريب المحمولة على اللغات الشاذة ، فإن القرآن نزل بالأفصح من لغة قريش ، قال الزمخشري في " كشافه القديم " : القرآن لا يعمل فيه إلا على ما هو فاش دائر على ألسنة فصحاء العرب ، دون الشاذ النادر الذي لا يعثر عليه إلا في موضع أو موضعين .

وبهذا يتبين غلط جماعة من الفقهاء والمعربين حين جعلوا من العطف على الجوار قوله تعالى : وأرجلكم ( المائدة : 6 ) في قراءة الجر ; وإنما ذلك ضرورة فلا يحمل عليه الفصيح ، ولأنه إنما يصار إليه إذا أمن اللبس ، والآية محتملة ، ولأنه إنما يجيء مع عدم حرف العطف ، وهو هاهنا موجود ، وأيضا فنحن في غنية عن ذلك ، كما قاله سيبويه : إن العرب يقرب [ ص: 413 ] عندها المسح مع الغسل ; لأنهما أساس الماء ، فلما تقاربا في المعنى حصل العطف كقوله :

متقلدا سيفا ورمحا

ومهما أمكن المشاركة في المعنى حسن العطف وإلا امتنع ; فظهر أنه ليس على المجاورة بل على الاستغناء بأحد الفعلين عن الآخر ، وهذا بخلاف صرف ما لا ينصرف في قوله تعالى : سلاسلا وأغلالا ( الإنسان : 4 ) فإنما أجيز في الكلام ; لأنه رد إلى الأصل ، والعطف على الجوار خروج عن الأصل ، فافترقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية