صفحة جزء
مسألة

وهل القراءة في المصحف أفضل ، أم على ظهر القلب ، أم يختلف الحال ؟ ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها من المصحف أفضل ; لأن النظر فيه عبادة ، فتجتمع القراءة والنظر ، وهذا قاله القاضي الحسين والغزالي ، قال : وعلة ذلك أنه لا يزيد على . . . . وتأمل المصحف وجمله ، ويزيد في الأجر بسبب ذلك . وقد قيل : الختمة في المصحف بسبع ; وذكر أن الأكثرين من الصحابة كانوا يقرءون في المصحف ، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف .

ودخل بعض فقهاء مصر على الشافعي رحمه الله تعالى المسجد وبين يديه المصحف ، فقال : شغلكم الفقه عن القرآن ، إني لأصلي العتمة ، وأضع المصحف في يدي فما أطبقه حتى الصبح .

وقال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ في كل يوم سبعا من القرآن لا يتركه نظرا .

وروى الطبراني من حديث أبي سعيد بن عوذ المكي عن عثمان بن عبد الله بن أوس [ ص: 94 ] الثقفي عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة ، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة ، وأبو سعيد قال فيه ابن معين : لا بأس به .

وروى البيهقي في شعب الإيمان من طريقين إلى عثمان بن عبد الله بن أوس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ القرآن في المصحف كانت له ألف ألف حسنة ، ومن قرأه في غير المصحف فأظنه قال كألفي حسنة . وفى الطريق الأخرى : قال درجة ، وجزم بألف إذا لم يقرأ في المصحف .

وروى ابن أبي داود بسنده عن أبي الدرداء مرفوعا : من قرأ مائتي آية كل يوم نظرا شفع في سبعة قبور حول قبره ، وخفف العذاب عن والديه ، وإن كانا مشركين .

وروى أبو عبيد في فضائل القرآن بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فضل القرآن نظرا على من قرأ ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة . وبسنده عن ابن عباس ، قال : كان عمر إذا دخل البيت نشر المصحف يقرأ فيه .

وروى ابن أبي داود بسنده عن عائشة مرفوعا : النظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر في وجه الوالدين عبادة ، والنظر في المصحف عبادة .

وعن الأوزاعي : كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هنيهة . قال بعضهم : وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات يسيرة ولا يتركه مهجورا .

[ ص: 95 ] والقول الثاني : أن القراءة على ظهر القلب أفضل ، واختاره أبو محمد بن عبد السلام ، فقال في " أماليه " قيل القراءة في المصحف أفضل لأنه يجمع فعل الجارحتين ، وهما اللسان والعين ، والأجر على قدر المشقة ، وهذا باطل ; لأن المقصود من القراءة التدبر ، لقوله تعالى : ليدبروا آياته ( ص : 29 ) ; والعادة تشهد أن النظر في المصحف يخل بهذا المقصود ، فكان مرجوحا .

والثالث : واختاره النووي في " الأذكار " إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل ، وإن استويا فمن المصحف أفضل ، قال : وهو مراد السلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية