صفحة جزء
مسألة

ويستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي ، ويجوز تحليته بالفضة إكراما له على الصحيح ، روى البيهقي بسنده إلى الوليد بن مسلم ، قال : " سألت مالكا عن تفضيض المصاحف ، فأخرج إلينا مصحفا ، فقال : حدثني أبي عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه ، وأنهم فضضوا المصاحف على هذا ونحوه " . وأما بالذهب فالأصح يباح للمرأة دون الرجل ، وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصلة عنه ; والأظهر التسوية .

ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم ; لأن فيه إذلالا وامتهانا ، وكذلك مد الرجلين إلى شيء من القرآن أو كتب العلم .

ويستحب تقبيل المصحف : لأن عكرمة بن أبي جهل كان يقبله ، وبالقياس على [ ص: 108 ] تقبيل الحجر الأسود ; ولأنه هدية من الله لعباده ، فشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير .

وعن أحمد ثلاث روايات ; الجواز ، والاستحباب ، والتوقف . وإن كان فيه رفعة وإكرام ; لأنه لا يدخله قياس ; ولهذا قال عمر في الحجر : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

ويحرم السفر بالقرآن إلى أرض العدو للحديث فيه ، خوف أن تناله أيديهم ورماحهم ، وقيل : إن كثر الغزاة وأمن استيلاؤهم عليه لم يمنع ; لقوله : مخافة أن تناله أيديهم ورماحهم .

ويحرم كتابة القرآن بشيء نجس ; وكذلك ذكر الله تعالى ; وتكره كتابته في القطع الصغير ; رواه البيهقي عن علي وغيره . وعنه تنوق رجل في : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فغفر له .

وقال الضحاك بن مزاحم : " ليتني قد رأيت الأيدي تقطع فيمن كتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يعني لا يجعل له سنات . قال : وكان ابن سيرين يكره ذلك كراهة شديدة .

ويستحب تجريد المصحف عما سواه . وكرهوا الأعشار والأخماس معه ، وأسماء السور وعدد الآيات . وكانوا يقولون : جردوا المصحف . وقال الحليمي : " يجوز ; لأن النقط ليس له [ ص: 109 ] قراءة ، فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا ، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها .

وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " في الصلاة وفي فضائل القرآن : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال عبد الله بن مسعود : جردوا القرآن . وفي رواية : لا تلحقوا به ما ليس منه ، ورواه عبد الرزاق في مصنفه في أواخر الصوم ، ومن طريقه رواه الطبراني في معجمه ، ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه غريب الحديث . وقال : قوله : " جردوا " يحتمل فيه أمران : أحدهما ; أي جردوه في التلاوة ، ولا تخلطوا به غيره . والثاني : أي جردوه في الخط من النقط والتعشير .

قلت : الثاني أولى لأن الطبراني أخرج في " معجمه " عن مسروق عن ابن مسعود : أنه كان يكره التعشير في المصحف . وأخرجه البيهقي في كتاب " المدخل " ، وقال : قال أبو عبيد : كان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف . ويروى عن عبد الله : أنه كره التعشير في المصحف . قال البيهقي : وفيه وجه آخر أبين منه ، وهو أنه أراد : لا تخلطوا به غيره من الكتب ; لأن ما خلا القرآن من كتب الله تعالى إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى ; وليسوا [ ص: 110 ] بمأمونين عليها . وقوي هذا الوجه بما أخرجه عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال : لما خرجنا إلى العراق خرج معنا عمر بن الخطاب يشيعنا ، فقال : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تشغلوهم بالأحاديث فتصدوهم جردوا القرآن .

قال : فهذا معناه ; أي لا تخلطوا معه غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية