فصل  
وقد يحكم على الشيء مقيدا بصفة ، ثم قد يكون ما سكت عنه بخلافه ، وقد يكون مثله     .  
فمن الأول ; قوله تعالى :  
وأشهدوا ذوي عدل منكم     ( الطلاق : 2 ) ، وقوله :  
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا     ( الحجرات : 6 ) ، وقوله :  
وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم     ( النساء : 23 ) فاشترط أولاد الصلب تنبيها على إباحة حلائل أولاد الرضاع ، وليس في ذكر الحلائل إباحة من وطئه الأبناء من الإماء بملك اليمين . وهذه الآية مما اجتمع فيه النوعان ، أعني المخالفة والمماثلة .  
وكذلك قوله :  
لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن     ( الأحزاب : 55 ) الآية ، فيه وقوع الجناح في إبداء الزينة لمن عدا المذكورين من الأجانب ، ولم يكن فيه في إبدائها لقرابة الرضاع .   
[ ص: 146 ] ومن الثاني قوله تعالى في الصيد :  
ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم     ( المائدة : 95 ) ، فإن القتل إتلاف والإتلاف يستوي عمده وخطؤه ; فيستدل به على أن التعمد ليس بشرط .  
فإن قيل : فما فائدة التقييد في هذا القسم إذا كان المسكوت عنه مثله ، وهلا حذفت الصفة واقتصر على قوله :  
ومن قتله منكم     ( المائدة : 95 ) ؟  
قلنا :  
لتخصيص الشيء بالذكر فوائد     : منها اختصاصه في جنسه بشيء لا يشركه فيه غيره من جملة الجنس ; كما في هذه الآية أعني قوله :  
ومن قتله منكم متعمدا     .  
إلى قوله :  
فينتقم الله منه     ( المائدة : 95 ) إن المتعمد إنما خص بالذكر لما عطف عليه في آخر الآية من الانتقام الذي لا يقع إلا في العمد دون الخطأ .  
ومنها ; ما يخص بالذكر تعظيما له على سائر ما هو من جنسه ، كقوله تعالى :  
منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم     ( التوبة : 36 ) فخص النهي عن الظلم فيهن ، وإن كان الظلم منهيا عنه في جميع الأوقات تفضيلا لهذه الأشهر وتعظيما للوزر فيها . وقوله :  
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج     ( البقرة : 197 ) .  
ومنها ; أن يكون ذلك الوصف هو الغالب عليه ; كقوله تعالى :  
وربائبكم اللاتي في حجوركم     ( النساء : 23 ) الآية ; فإن الغالب من حال الربيبة أنها تكون في حجر أمها ، ونحو :  
ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم     ( النور : 58 ) إلى قوله :  
ثلاث مرات  الآية ، خص هذه الأوقات الثلاثة بالاستئذان ; لأن الغالب تبذل البدن فيهن ، وإن كان في غير هذه الأوقات ما يوجب الاستئذان فيجب . وكذلك قوله :  
فإن خفتم ألا يقيما حدود الله     ( البقرة : 229 ) فالافتداء يجوز مع الأمن ، وقوله :  
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم     ( النساء : 101 ) ، وقوله :  
فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان     ( البقرة : 282 ) ، وقوله :  
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة     ( البقرة : 283 ) فجرى التقييد بالسفر ; لأن الكاتب إنما يعدم غالبا فيه ; ولا يدل على منع الرهن إلا في السفر ، كما صار إليه مجاهد .