صفحة جزء
فصل

وللاختلاف أسباب :

الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى ، كقوله تعالى في خلق آدم إنه : من تراب ( آل عمران : 59 ) ، ومرة : من حمإ مسنون ( الحجر : 26 ، 28 ، 33 ) ، ومرة : من طين لازب ( الصافات : 11 ) ، ومرة من : صلصال كالفخار ( الرحمن : 14 ) ، وهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة ; لأن الصلصال غير [ ص: 184 ] الحمأ ، والحمأ غير التراب ; إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال .

ومنه قوله تعالى : فإذا هي ثعبان مبين ( الشعراء : 32 ) وفي موضع : تهتز كأنها جان ( القصص : 31 ) والجان : الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ؛ وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم ، واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .

السبب الثاني : لاختلاف الموضوع ، كقوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون ( الصافات : 24 ) وقوله : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( الأعراف : 6 ) مع قوله : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( الرحمن : 39 ) قال الحليمي : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه . وحمله غيره على اختلاف الأماكن ; لأن في القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش ، وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنف ويوبخ - وهم الكفار - وموضع آخر لا يعنف - وهم المؤمنون .

وقوله : ولا يكلمهم الله يوم القيامة ( البقرة : 174 ) مع قوله : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ( الحجر : 92 و 93 ) وقيل : المنفي كلام التلطف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي .

وكقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى : 40 ) مع قوله : يضاعف لهم العذاب ( هود : 20 ) والجواب : إن التضعيف هنا ليس على حد التضعيف في الحسنات ; بل هو راجع لتضاعيف مرتكباتهم ; فكان لكل مرتكب منها عذاب يخصه ، فليس التضعيف من هذا الطريق على ما هو في الطريق الآخر ; وإنما المراد هنا تكثيره بحسب كثرة المجترحات ; لأن السيئة الواحدة يضاعف الجزاء عليها بدليل سياق تلك الآية وهو قوله : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون ( هود : 18 و 19 ) [ ص: 185 ] فهؤلاء كذبوا على ربهم ، وصدوا عن سبيله وبغوها عوجا وكفروا ، فهذه مرتكبات عذبوا بكل مرتكب منها .

وكقوله : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( الأنعام : 23 ) ، مع قوله : ولا يكتمون الله حديثا ( النساء : 42 ) فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق .

والجواب من وجهين : أحدهما : أن للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع كما سبق . والثاني : أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق ، فتنطق بالصدق .

وكقوله : ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( الأنعام : 164 ) ، مع قوله : لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( البقرة : 286 ) والجواب أن المراد : لا تكسب شرا ولا إثما ; بدليل سبب النزول أو ضمن معنى ( تجني ) وهذه الآية اقتصر فيها على الشر والأخرى ذكر فيها الأمران ; ولهذا لما ذكر القسمين ذكر ما يميز أحدهما عن الآخر ، وهاهنا لما كان المراد ذكر أحدهما اقتصر عليه بـ ( فعل ) ولم يأت بـ ( افتعل ) .

ومنه قوله تعالى : اتقوا الله حق تقاته ( آل عمران : 102 ) مع قوله : فاتقوا الله ما استطعتم ( التغابن : 16 ) يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي رحمه الله أنه جمع بينهما ; فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ; لأنه قال بعد الأولى : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( آل عمران : 102 ) .

وقيل : بل الثانية ناسخة ; قال ابن المنير الظاهر أن قوله تعالى : اتقوا الله حق تقاته ( آل عمران : 102 ) إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ; وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 186 ] حق تقاته بأن قال : ( هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ) ، فقالوا : أينا يطيق ذلك ؟ فنزلت : فاتقوا الله ما استطعتم ( التغابن : 16 ) وكان التكليف أولا باستيعاب العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ، ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منزل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط عن درجاته .

وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : ( ما استطعتم ) هو ( حق تقاته ) إذ به أمر ، فإن حق تقاته الوقوف على أمره ودينه ، وقد قال بذلك كثير من العلماء . انتهى .

والحديث الذي ذكره ابن المنير في تفسيره : " حق تقاته " لم يثبت مرفوعا ; بل هو من كلام ابن مسعود رضي الله عنه كذلك ، رواه النسائي وليس فيه قول الصحابة : ( أينا يطيق ذلك ) ونزول قوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم .

ومنه قوله تعالى : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ( النساء : 3 ) مع قوله في أواخر السورة : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ( النساء : 129 ) فالأولى تفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه .

[ ص: 187 ] والجواب أن المراد بالعدل في الأولى العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن ; وهذا ممكن الوقوع وعدمه ، والمراد به في الثانية الميل القلبي ، فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ، ثم يقول : ( اللهم هذا قسمي في ما أملك فلا تؤاخذني بما لا أملك ) - يعني ميل القلب ، وكان عمر يقول : ( الله ، قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل ) .

ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام ، أشار إليه ابن عطية .

وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير فيرتفع به الإشكال ، كقوله تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى ( النساء : 95 ) ، ثم قال سبحانه : وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات ( النساء : 95 - 96 ) والأصل في الأولى : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة ، والأصل في الثانية : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من الأصحاء درجات .

[ ص: 188 ] وممن ذكر أن المحذوف كذلك الإمام بدر الدين بن مالك في ( شرح الخلاصة ) في الكلام على حذف النعت . وللزمخشري فيه كلام آخر .

وكقوله تعالى : إن الله لا يأمر بالفحشاء ( الأعراف : 28 ) مع قوله : أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ( الإسراء : 16 ) والمعنى : أمرناهم وملكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا ، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء ، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لا يريد ، وفرق بين الأمر الكوني والديني .

الثالث : لاختلافهما في جهتي الفعل ; كقوله تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ( الأنفال : 17 ) أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ; ولهذا قال الجمهور : إن الأفعال مخلوقة لله تعالى مكتسبة للآدميين ، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى .

وكذا قوله : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( الأنفال : 17 ) أي ما رميت خلقا إذا رميت كسبا . وقيل : إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال ; وهما بكسب الرامي ، [ ص: 189 ] وعلى التبليغ والإصابة ، وهما بفعل الله عز وجل . قال ابن جرير الطبري : وهي الدليل على أن الله خالق لأفعال العباد ; فإن الله تعالى أضافه إلى نبيه ثم نفاه عنه ، وذلك فعل واحد ; لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم ، ومن نبيه بالحذف والإرسال ، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة ، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ومن الخلق الاكتساب بالقوى .

ومثله قوله تعالى : الرجال قوامون على النساء ( النساء : 34 ) ، وقال تعالى : وقوموا لله قانتين ( البقرة : 238 ) فقيام الانتصاب لا ينافي القيام بالأمر لاختلاف جهتي الفعل .

الرابع : لاختلافهما في الحقيقة والمجاز ; كقوله : وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ( الحج : 2 ) ، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ( إبراهيم : 17 ) وهو يرجع لقول المناطقة : الاختلاف بالإضافة ; أي وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا ، وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة .

ومثله في الاعتبارين قوله تعالى : آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( البقرة : 8 ) ، وقوله : ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ( الأنفال : 21 ) ، وقوله تعالى : وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( الأعراف : 198 ) فإنه لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار لجواز قولهم : ( نظرت إليه فلم أبصره ) .

الخامس : بوجهين واعتبارين ، وهو الجامع للمفترقات ، كقوله : فبصرك اليوم حديد ( ق : 22 ) ، وقال : خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي ( الشورى : 45 ) ، قال قطرب : فبصرك أي علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم : [ ص: 190 ] ( بصر بكذا وكذا ) أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي : ويدل على ذلك قوله : فكشفنا عنك غطاءك ( ق : 22 ) وصف البصر بالحدة .

وكقوله تعالى : وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ( الأعراف : 127 ) ، مع قوله : أنا ربكم الأعلى ( النازعات : 24 ) فقيل يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك ، إن ساغ لهم ، وتكون إضافة الآلهة إليه ملكا ، كان يعبد في دين قومه ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب : موالي من فوق ، وموالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : ( وآلهتك ) .

وقوله تعالى : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( الرعد : 28 ) مع قوله : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( الأنفال : 2 ) ، فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة ، وجوابه أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله : تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ( الزمر : 23 ) فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك .

وكقوله : خمسين ألف سنة ( المعارج : 4 ) وفي موضع : ألف سنة ( السجدة : 5 ) وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر ; بدليل : وكان يوما على الكافرين عسيرا ( الفرقان : 26 ) .

وكقوله : ( بألف من الملائكة مردفين ) ( الأنفال : 9 ) وفي آية أخرى : بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( آل عمران : 124 ) قيل إن الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان ( الألف مردفين ) بفتحها .

وكقوله تعالى : خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ( البقرة : 29 ) [ ص: 191 ] وفي آية أخرى : والأرض بعد ذلك دحاها ( النازعات : 30 ) ولا تنافي بينهما ; فالأول دال على أن الأرض وما فيها خلقت قبل السماء ، وذلك صحيح ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء ، وبذلك تتفق معاني الآيات في سورة القمر والمؤمن والنازعات .

وكقوله تعالى : ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( ق : 38 ) ، وقوله : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ( فصلت : 9 و 10 ) إلى قوله : فقضاهن سبع سماوات في يومين ( فصلت : 12 ) وذلك يبلغ ثمانية أيام ، والجواب أن المراد بقوله : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله : وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام مع اليومين المتقدمين ولم يرد بذكر ( الأربعة ) غير ما تقدم ذكره ; وهذا كما يقول الفصيح : ( سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ) ، ( وسرت إلى الكوفة في ثلاثة عشر يوما ) ولا يريد سوى العشرة ، بل يريد مع العشرة ثلاثة ، ثم قال تعالى : فقضاهن سبع سماوات في يومين وأراد سوى الأربعة ، وذلك لا مخالفة فيه ; لأن المجموع يكون ستة .

ومنه قوله تعالى في السجدة : عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( الآية : 20 ) بلفظ ( الذي ) على وصف العذاب ، وفي سبأ : عذاب النار التي ( الآية : 42 ) بلفظ ( التي ) على وصف النار ، وفيه أربعة أوجه : أحدها أنه وصف العذاب في السجدة لوقوع ( النار ) موقع الضمير الذي لا يوصف ، وإنما وقعت موقع الضمير لتقدم إضمارها ، مع قوله : وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ( السجدة : 20 ) فحق الكلام : ( وقيل لهم ذوقوا عذابها ) ، فلما وضعها موضع المضمر الذي لا يقبل الوصف عدل إلى وصف العذاب ، وأما ما في ( سبأ ) فوصفها لعدم المانع من وصفها . والثاني : أن الذي في ( السجدة ) وصف النار أيضا ، وذكر حملا على معنى الجحيم والحريق . والثالث : أن الذي في ( السجدة ) في حق من يقر بالنار ويجحد العذاب ، وفي [ ص: 192 ] ( سبأ ) في حق من يجحد أصل النار . والرابع : أنه إنما وصف العذاب في السجدة ; لأنه لما تقدم ذكر النار مضمرا ومظهرا عدل إلى وصف العذاب ، ليكون تلوينا للخطاب ، فيكون أنشط للسامع بمنزلة العدول من الغيبة إلى الخطاب .

ومنه قوله تعالى : توفته رسلنا ( الأنعام : 61 ) ، وقوله : تتوفاهم الملائكة ( النحل : 28 ) ، وبين قوله : قل يتوفاكم ملك الموت ( السجدة : 11 ) ، وبين قوله : الله يتوفى الأنفس ( الزمر : 42 ) ، وهو الذي يتوفاكم بالليل ( الأنعام : 60 ) ، وجمع البغوي بينها ، لأن توفي الملائكة بالقبض والنزع ، وتوفي ملك الموت بالدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها ، وتوفي الله سبحانه خلق الموت فيه .

ومنه قوله تعالى في البقرة : فاتقوا النار ( الآية : 24 ) ، وفي سورة التحريم : نارا ( الآية : 6 ) بالتنكير ; لأنها نزلت بمكة قبل آية البقرة ، فلم تكن النار التي وقودها الناس والحجارة معروفة فنكرها ، ثم نزلت آية البقرة بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا .

وقال في سورة البقرة : رب اجعل هذا بلدا آمنا ( الآية : 126 ) وفي سورة إبراهيم : رب اجعل هذا البلد آمنا ( إبراهيم : 35 ) ; لأنه في الدعوة الأولى كان مكانا ، فطلب منه أن يجعله بلدا آمنا ، وفي الدعوة الثانية كان بلدا غير آمن ، فعرفه وطلب له الأمن ، أو كان بلدا آمنا وطلب ثبات الأمن ودوامه ، وكون سورة البقرة مدنية وسورة إبراهيم مكية لا ينافي هذا ; لأن الواقع من إبراهيم كونه على الترتيب المذكور ، والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب . أو لأن المكي منه ما نزل قبل الهجرة فيكون المدني متأخرا عنها ، ومنه ما نزل بعد فتح مكة فيكون متأخرا عن المدني ، فلم قلتم : إن سورة إبراهيم من المكي الذي نزل قبل الهجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية