صفحة جزء
[ ص: 207 ] النوع السابع والثلاثون

في حكم الآيات المتشابهات

الواردة في الصفات


وقد اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق :

أحدها : أنه لا مدخل للتأويل فيها ; بل تجرى على ظاهرها ، ولا تؤول شيئا منها ، وهم المشبهة .

والثاني : أن لها تأويلا ، ولكنا نمسك عنه ، مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه والتعطيل ، ونقول : لا يعلمه إلا الله ; وهو قول السلف .

والثالث : أنها مؤولة ، وأولوها على ما يليق به .

والأول باطل ، والأخيران منقولان عن الصحابة ، فنقل الإمساك عن أم سلمة أنها سئلت عن الاستواء ، فقالت : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . وكذلك سئل عنه مالك فأجاب بما قالته أم سلمة ، إلا أنه زاد فيها : أن من عاد إلى هذا السؤال عنه أضرب عنقه . وكذلك سئل سفيان الثوري فقال : أفهم من قوله : الرحمن على العرش استوى ( طه : 5 ) ما أفهم من قوله : ثم استوى إلى السماء ( فصلت : 11 ) وسئل الأوزاعي عن تفسير هذه الآية فقال : الرحمن على العرش استوى كما قال : وإني لأراك ضالا . وسئل ابن راهويه عن [ ص: 208 ] الاستواء ، أقائم هو أم قاعد ؟ فقال : لا يمل عن القيام حتى يقعد ، ولا يمل عن القعود حتى يقوم ، وأنت إلى غير هذا السؤال أحوج .

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها ، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها ، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه ، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها .

وأفصح الغزالي عنهم في غير موضع بنهجين ما سواها حتى ألجم آخرا في ( إلجامه ) كل عالم أو عامي عما عداها . قال : وهو كتاب ( إلجام العوام عن علم الكلام ) وهو آخر تصانيف الغزالي مطلقا ، أو آخر تصانيفه في أصول الدين ، حث فيه على مذاهب السلف ومن تبعهم .

وممن نقل عنه التأويل علي ، وابن مسعود ، وابن عباس وغيرهم .

وقال الغزالي في كتاب ( التفرقة بين الإسلام والزندقة ) : إن الإمام أحمد أول في ثلاثة مواضع ، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين .

قلت : وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى تأويل أحمد في قوله تعالى : أو يأتي ربك ( الأنعام : 158 ) قال : وهل هو إلا أمره ، بدليل قوله : أو يأتي أمر ربك ( النحل : 33 ) .

واختار ابن برهان وغيره من الأشعرية التأويل ، قال : ومنشأ الخلاف بين الفريقين : [ ص: 209 ] أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه ؟ فعندهم يجوز ، فلهذا منعوا التأويل ، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله .

وعندنا لا يجوز ذلك ، بل الراسخون يعلمونه .

قلت : وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى ، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم ، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول ، بل التغاير إنما يكون في الألفاظ ، واستعمال المجاز لغة العرب ، وإنما قلنا : لا تغاير بينهما في الأصول لما علم بالدليل أن العقل لا يكذب ما ورد به الشرع ، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل ، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا ، ولو تصور كذب العقل في شيء لتصور كذبه في صدق الشرع ، فمن طالت ممارسته العلوم ، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما ، لكنه لا يخلو من أحد أمرين ، إما تأويل يبعد عن الأفهام ، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة ، والطمع في تلفيق كل ما يرد مستحيل المرام ، والمرد إلى قوله : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( الشورى : 11 ) .

ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين ، حاكين كلامهم .

فمن ذلك صفة الاستواء ، فحكى مقاتل ، والكلبي ، عن ابن عباس أن استوى ( طه : 5 ) بمعنى استقر ، وهذا إن صح يحتاج إلى تأويل ، فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم .

وعن المعتزلة بمعنى استولى وقهر وغلب ، ورد بوجهين :

أحدهما : بأن الله تعالى مستول على الكونين ، والجنة والنار وأهلهما ، فأي فائدة في تخصيص العرش !

[ ص: 210 ] الثاني : أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة ، والله تعالى منزه عن ذلك ; قاله ابن الأعرابي .

وقال أبو عبيد : بمعنى ( صعد ) ، ورد بأنه يوجب هبوطا منه تعالى حتى يصعد ، وهو منفي عن الله .

وقيل : ( الرحمن علا والعرش له استوى ) فجعل ( علا ) فعلا لا حرفا ; حكاه الأستاذ إسماعيل الضرير في تفسيره ; ورد بوجهين :

أحدهما : أنه جعل الصفة فعلا وهو على ، ومصاحف أهل الشام والعراق والحجاز قاطعة بأن ( على ) هنا حرف ، ولو كان فعلا لكتبوها باللام ألف كقوله : ولعلا بعضهم على بعض ( المؤمنون : 91 ) .

والثاني : أنه رفع العرش ولم يرفعه أحد من القراء .

وقيل : تم الكلام عند قوله : الرحمن على العرش ، ثم ابتدأ بقوله : استوى له ما في السماوات وما في الأرض ( طه : 5 ، 6 ) وهذا ركيك يزيل الآية عن نظمها ومرادها .

قال الأستاذ : والصواب ما قاله الفراء والأشعري وجماعة من أهل المعاني : إن [ ص: 211 ] معنى قوله : ( استوى ) أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه ، فسماه استواء ، كقوله : ثم استوى إلى السماء وهي دخان ( فصلت : 11 ) أي قصد وعمد إلى خلق السماء فكذا هاهنا ، قال : وهذا القول مرضي عند العلماء ليس فيه تعطيل ولا تشبيه .

قال الأشعري : ( على ) هنا بمعنى ( في ) كما قال تعالى : على ملك سليمان ( البقرة : 102 ) ومعناه أحدث الله في العرش فعلا سماه استواء ، كما فعل فعلا سماه فضلا ونعمة ، قال تعالى : ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة ( الحجرات : 7 و 8 ) فسمى التحبيب والتكريه فضلا ونعمة . وكذلك قوله : فأتى الله بنيانهم من القواعد ( النحل : 26 ) أي فخرب الله بنيانهم ، وقال : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( الحشر : 2 ) أي قصدهم وكما أن التخريب والتعذيب سماها إتيانا ، فكذلك أحدث فعلا بالعرش سماه استواء .

قال : وهذا قول مرضي عند العلماء لسلامته من التشبيه والتعطيل ، وللعرش خصوصية ليست لغيره من المخلوقات ; لأنه أول خلق الله وأعظم ، والملائكة حافون به ، ودرجة الوسيلة متصلة به ، وأنه سقف الجنة ، وغير ذلك .

وقوله تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( المائدة : 116 ) قيل : النفس هاهنا الغيث تشبيها له بالنفس ، لأنه مستتر كالنفس .

قوله : ويحذركم الله نفسه ( آل عمران : 28 ) ; أي عقوبته ، وقيل : يحذركم الله إياه .

قوله تعالى : وهو الله في السماوات وفي الأرض ( الأنعام : 3 ) اختار البيهقي معناه أنه المعبود في السماوات والأرض مثل قوله تعالى : وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( الزخرف : 84 ) وهذا القول هو أصح الأقوال ، وقال الأشعري في ( الموجز ) : وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم ( الأنعام : 3 ) [ ص: 212 ] أي عالم بما فيهما ، وقيل : ( وهو الله في السماوات ) جملة تامة ، ( وفي الأرض يعلم ) كلام آخر ، وهذا قول المجسمة ، واستدلت الجهمية بهذه الآية على أنه تعالى في كل مكان ، وظاهر ما فهموه من الآية من أسخف الأقوال .

قوله تعالى : وجاء ربك والملك صفا ( الفجر : 22 ) قيل : استعارة الواو موضع الباء لمناسبة بينهما في معنى الجمع ، إذ الباء موضوعة للإلصاق وهو جمع ، والواو موضوعة للجمع ، والحروف ينوب بعضها عن بعض ، وتقول عرفا : جاء الأمير بالجيش إذا كان مجيئهم مضافا إليه بتسليطه أو بأمره ولا شك أن الملك إنما يجيء بأمره على ما قال تعالى : وهم بأمره يعملون ( الأنبياء : 27 ) فصار كما لو صرح به ، وقال : جاء الملك بأمر ربك ، وهو كقوله : فاذهب أنت وربك ( المائدة : 24 ) أي اذهب أنت بربك ، أي بتوفيق ربك وقوته إذ معلوم أنه إنما يقاتل بذلك من حيث صرف الكلام إلى المفهوم في العرف .

قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ( القلم : 42 ) قال قتادة : عن شدة ، وقال إبراهيم النخعي : أي عن أمر عظيم ، قال الشاعر :


وقامت الحرب بنا على ساق

وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة وجد فيه شمر عن ساقه ، فاستعيرت الساق في موضع الشدة .

[ ص: 213 ] قوله تعالى : ما فرطت في جنب الله ( الزمر : 56 ) قال اللغويون : معناه ما فرطت في طاعة الله وأمره ، لأن التفريط لا يقع إلا في ذلك ، والجنب المعهود من ذوي الجوارح لا يقع فيه تفريط ألبتة ، فكيف يجوز وصف القديم سبحانه بما لا يجوز !

قوله تعالى : سنفرغ لكم أيها الثقلان ( الرحمن : 31 ) فرغ يأتي بمعنى قطع شغلا ، أتفرغ لك ، أي أقصد قصدك ، والآية منه ، أي سنقصد لعقوبتكم ونحكم جزاءكم .

قوله تعالى : وإني لأظنه كاذبا ( غافر : 37 ) إن قيل : لأي علة نسب الظن إلى الله وهو شك ؟

قيل : فيه جوابان :

أحدهما : أن يكون الظن لفرعون ، وهو شك لأنه قال قبله : فأطلع إلى إله موسى ( غافر : 37 ) وإني لأظن موسى كاذبا ، فالظن على هذا لفرعون .

والثاني : أن يكون تم الكلام عند قوله : أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ( غافر : 37 ) على معنى : وإني لأعلمه كاذبا ، فإذا كان الظن لله كان علما ويقينا ، ولم يكن شكا كقوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه ( الحاقة : 20 ) .

وقوله : لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) لم يرد سبحانه بنفي النوم والسنة عن نفسه إثبات اليقظة والحركة ; لأنه لا يقال لله تعالى : يقظان ولا نائم ; لأن اليقظان لا يكون إلا عن نوم ولا يجوز وصف القديم به ، وإنما أراد بذلك نفي الجهل والغفلة ، كقوله : ما أنا عنك بغافل .

قوله تعالى : لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) ، قال السهيلي : اليد في الأصل كالمصدر ، عبارة عن صفة لموصوف ، ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله : أولي الأيدي والأبصار ( ص : 45 ) ولم يمدحهم بالجوارح ; لأن المدح إنما [ ص: 214 ] يتعلق بالصفات لا بالجواهر ، قال : وإذا ثبت هذا فصح قول الأشعري : إن اليدين في قوله تعالى : لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) صفة ورد بها الشرع ، ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه ، ولا بمعنى النعمة ، ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزا منه عن مخالفة السلف ، وقطع بأنها صفة تحرزا عن مذاهب المشبهة .

فإن قيل : وكيف خوطبوا بما لا يعلمون إذ اليد بمعنى الصفة لا يعرفونه ، ولذلك لم يسأل أحد منهم عن معناها ، ولا خاف على نفسه توهم التشبيه ، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه ، وكذلك الكفار ، لو كان لا يعقل عندهم إلا في الجارحة لتعلقوا بها في دعوى التناقض ، واحتجوا بها على الرسول ، ولقالوا : زعمت أن الله ليس كمثله شيء ، ثم تخبر أن له يدا ، ولما لم ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر ، علم أن الأمر عندهم كان جليا لا خفاء به ، لأنها صفة سميت الجارحة بها مجازا ، ثم استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة ، ورب مجاز كثير استعمل حتى نسي أصله ، وتركت صفته - والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخص ، والقدرة أعم ، كالمحبة مع الإرادة والمشيئة ، فاليد أخص من معنى القدرة ، ولذا كان فيها تشريف لازم .

وقال البغوي في تفسير قوله تعالى : لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) في تحقيق الله التثنية في اليد دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة ، وإنما هما صفتان من صفات ذاته . قال مجاهد : اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة مجاز ( لما خلقت ) كقوله : ويبقى وجه ربك ( الرحمن : 27 ) قال البغوي : وهذا تأويل غير قوي ; لأنها لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول : إن كنت خلقته فقد خلقتني ، وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون لآدم في الخلق مزية على إبليس ، وأما قوله تعالى : مما عملت أيدينا ( يس : 71 ) [ ص: 215 ] فإن العرب تسمي الاثنين جمعا ، كقوله تعالى : هذان خصمان اختصموا ( الحج : 19 ) .

وأما العين في الأصل فهي صفة ومصدر لمن قامت به ثم عبر عن حقيقة الشيء بالعين ، قال : وحينئذ فإضافتها للبارئ في قوله : ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) حقيقة - لا مجاز كما توهم أكثر الناس - لأنه صفة في معنى الرؤية والإدراك ، وإنما المجاز في تسمية العضو بها ، وكل شيء يوهم الكفر والتجسيم فلا يضاف إلى البارئ سبحانه لا حقيقة ولا مجازا .

قال السهيلي : ومن فوائد هذه المسألة أن يسأل عن المعنى الذي لأجله قال : ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) بحرف ( على ) وقال : تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) ، واصنع الفلك بأعيننا ( هود : 37 ) وما الفرق ؟ والفرق أن الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفيا وإبداء ما كان مكنونا ، فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذون ويصنعون سرا ، فلما أراد أن يصنع موسى ويغذى ويربى على جلي أمن وظهور أمر لا تحت خوف واستسرار دخلت ( على ) في اللفظ تنبيها على المعنى ; لأنها تعطي معنى الاستعلاء ، والاستعلاء ظهور وإبداء فكأنه سبحانه يقول : ولتصنع على عيني أمن لا تحت خوف ، وذكر العين لتضمنها معنى الرعاية والكلأ وأما قوله : تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) ، واصنع الفلك بأعيننا ( هود : 37 ) ، فإنه إنما يريد في رعاية منا وحفظ ، ولا يريد إبداء شيء ولا إظهاره بعد كتم ، فلم يحتج الكلام إلا معنى ( على ) .

ولم يتكلم السهيلي على حكمة الإفراد في قصة موسى والجمع في الباقي ، وهو سر لطيف ، وهو إظهار الاختصاص الذي خص به موسى في قوله : واصطنعتك لنفسي ( طه : 41 ) فاقتضى الاختصاص الاختصاص الآخر في قوله : ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) بخلاف قوله : تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) ، واصنع الفلك بأعيننا ( هود : 37 ) فليس فيه من الاختصاص ما في صنع موسى على عينه سبحانه .

[ ص: 216 ] قال السهيلي رحمه الله : وأما النفس فعبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد ، وقد استعمل من لفظها النفاسة والشيء النفيس ، فصلحت للتعبير عنه سبحانه ، بخلاف ما تقدم من الألفاظ المجازية .

وأما الذات فقد استوى أكثر الناس بأنها معنى النفس والحقيقة ، ويقولون : ذات البارئ هي نفسه ، ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته ، ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم في قصة إبراهيم : ثلاث كذبات كلهن في ذات الله .

قال : وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا ، وإلا لقيل : عبدت ذات الله ، واحذر ذات الله ، وهو غير مسموع ، ولا يقال إلا بحرف في المستحل معناه في حق البارئ تعالى ، لكن حيث وقع فالمراد به الديانة والشريعة التي هي ذات الله ، فذات وصف للديانة . هذا هو المفهوم من كلام العرب ، وقد بان غلط من جعلها عبارة عن نفس ما أضيف إليه .

ومنه إطلاق العجب على الله تعالى في قوله : ( بل عجبت ) ( الصافات : 12 ) على قراءة حمزة والكسائي ، بضم التاء على معنى أنهم قد حلوا محل من يتعجب منهم .

قال الحسين بن الفضل : العجب من الله تعالى إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو [ ص: 217 ] لغة العرب وفي الحديث : عجب ربكم من إلكم وقنوطكم ، وقوله : إن الله يعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة .

قال البغوي : وسمعت أبا القاسم النيسابوري ، قال : سمعت أبا عبد الله البغدادي ، يقول : سئل الجنيد عن هذه الآية ؟ فقال : إن الله لا يعجب من شيء ، ولكن الله وافق رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : وإن تعجب فعجب قولهم ( الرعد : 5 ) أي هو كما يقوله .

فائدة

كل ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى : ( لعلكم تفلحون ) أو ( تتقون ) أو ( تشكرون ) فالمعتزلة يفسرونه بالإرادة ; لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ، ووقوع الشر على خلاف إرادته ، وأهل السنة يفسرونه بالطلب لما في الترجي من معنى الطلب ، والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول ، فكأنه قال : كونوا متقين أو مفلحين ; إذ يستحيل وقوع شيء في الوجود على خلاف إرادته تعالى ، بل كل الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية