صفحة جزء
فصل

التأويل ينقسم إلى منقاد ومستكره : فالأول : ما لا تعرض فيه بشاعة أو استقباح ، وقد يقع فيه الخلاف بين الأئمة : إما لاشتراك في اللفظ ، نحو : لا تدركه الأبصار ( الأنعام : 103 ) هل هو من بصر العين أو القلب ؟ وإما لأمر راجع إلى النظم ، كقوله - تعالى - : إلا الذين تابوا ( النور : 5 ) هل هذا الاستثناء مقصور على المعطوف وحده أو عائد إلى الجميع ؟ وإما لغموض المعنى ووجازة النظم ، كقوله - تعالى - : وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ( البقرة : 227 ) . وإما لغير ذلك .

وأما المستكره : فما يستبشع إذا عرض على الحجة ، وذلك على أربعة أوجه : الأول أن يكون لفظا عاما فيختص ببعض ما يدخل تحته ، كقوله - تعالى - : وصالح المؤمنين ( التحريم : 4 ) فحمله بعضهم على علي - رضي الله عنه - فقط .

والثاني : أن يلفق بين اثنين ؛ كقول من زعم تكليف الحيوانات في قوله : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( فاطر : 24 ) مع قوله - تعالى - : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ( الأنعام : 38 ) إنهم مكلفون كما نحن .

والثالث : ما [ ص: 319 ] استعير فيه كقوله - تعالى - : يوم يكشف عن ساق ( القلم : 42 ) في حمله على حقيقته .

الرابع : ما أشعر به باشتقاق بعيد ، كما قال بعض الباطنية في البقرة : إنه إنسان يبقر عن أسرار العلوم ، وفي الهدهد إنه إنسان موصوف بجودة البحث والتنقيب .

والأول أكثر ما يروج على المتفقهة الذين لم يتبحروا في معرفة الأصول ، والثاني على المتكلم القاصر في معرفة شرائط النظم ، والثالث على صاحب الحديث الذي لم يتهذب في شرائط قبول الأخبار ، والرابع على الأديب الذي لم يتهذب بشرائط الاستعارات والاشتقاقات .

التالي السابق


الخدمات العلمية