صفحة جزء
فصل

ينقسم القرآن العظيم إلى :

ما هو بين بنفسه ، بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه ، ولا من غيره ، وهو كثير . ومنه قوله - تعالى - : التائبون العابدون ( التوبة : 112 ) الآية ، وقوله : إن المسلمين والمسلمات ( الأحزاب : 35 ) الآية ، وقوله : قد أفلح المؤمنون ( المؤمنون : 1 ) ، وقوله : واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ( يس : 13 ) ، وقوله : ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا ( النساء : 47 ) .

[ ص: 322 ] وإلى ما ليس ببين بنفسه فيحتاج إلى بيان . وبيانه إما فيه في آية أخرى ، أو في السنة ، لأنها موضوعة للبيان ، قال - تعالى - : لتبين للناس ما نزل إليهم ( النحل : 44 ) .

والثاني : ككثير من أحكام الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والمعاملات ، والأنكحة ، والجنايات ، وغير ذلك ، كقوله - تعالى - : وآتوا حقه يوم حصاده ( الأنعام : 141 ) ولم يذكر كيفية الزكاة ، ولا نصابها ، ولا أوقاصها ، ولا شروطها ، ولا أحوالها ، ولا من تجب عليه ممن لا تجب عليه ، وكذا لم يبين عدد الصلاة ولا أوقاتها .

وكقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة : 185 ) ، ولله على الناس حج البيت ( آل عمران : 97 ) ولم يبين أركانه ولا شروطه ، ولا ما يحل في الإحرام ، وما لا يحل ، ولا ما يوجب الدم ولا ما لا يوجبه ، وغير ذلك .

والأول قد أرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود لما نزل : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( الأنعام : 82 ) شق ذلك على المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ! وأينا لا يظلم نفسه ! قال : ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه : يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( لقمان : 13 ) ، فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - الظلم هاهنا على الشرك ، لمقابلته بالإيمان . واستأنس عليه بقول لقمان .

وقد يكون بيانه مضمرا فيه ، كقوله - تعالى - : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ( الزمر : 73 ) فهذا يحتاج إلى بيان ؛ لأن ( حتى إذا ) لا بد لها من تمام ، وتأويله : [ ص: 323 ] حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت أبوابها . ومثله : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الرعد : 31 ) أي : لكان هذا القرآن على رأي النحويين . قال ابن فارس : ويسمى هذا عند العرب الكف .

وقد يومئ إلى المحذوف ، إما متأخر كقوله - تعالى - : أفمن شرح الله صدره للإسلام ( الزمر : 22 ) فإنه لم يجيء له جواب في اللفظ ، لكن أومأ إليه قوله : فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( الزمر : 22 ) ، وتقديره : أفمن شرح الله صدره للإسلام ، كمن قسا قلبه ؛ وإما متقدم كقوله - تعالى - : أم من هو قانت آناء الليل ( الزمر : 9 ) فإنه أومأ إلى ما قبله : وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ( الزمر : 8 ) كأنه قال : أهذا الذي هو هكذا خير أم من هو قانت ؟ فأضمر المبتدأ .

ونظيره : مثل الجنة التي وعد المتقون ( محمد : 15 ) ومن هذه صفته : كمن هو خالد في النار ( محمد : 15 ) .

وقد يكون بيانه واضحا وهو أقسام :

أحدها : أن يكون عقبه ، كقوله - تعالى - : الله الصمد ( الإخلاص : 2 ) قال محمد بن كعب القرظي تفسيره : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ( الإخلاص : 3 و 4 ) .

وكقوله - تعالى - : إن الإنسان خلق هلوعا ( المعارج : 19 ) قال أبو العالية : تفسيره : إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ( المعارج : 20 و 21 ) ، وقال ثعلب : سألني محمد بن طاهر : ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره الله - تعالى .

وكقوله - تعالى - : فيه آيات بينات ( آل عمران : 97 ) فسره بقوله : مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ( آل عمران : 97 ) .

وقوله : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( الأنبياء : 98 ) ومعلوم أنه لم يرد به المسيح وعزيرا والملائكة ؛ فنزلت الآية مطلقة ، اكتفاء بالدلالة [ ص: 324 ] الظاهرة ، على أنه لا يعذبهم الله ، وكان ذلك بمنزلة الاستثناء باللفظ ، فلما قال المشركون : هذا هو المسيح وعزير قد عبدا من دون الله أنزل الله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ( الأنبياء : 101 ) .

وقوله : يريكم البرق خوفا وطمعا ( الرعد : 12 ) ففسر رؤية البرق بأنه ليس في رؤيته إلا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار . وفيها لطيفة ، وهى تقديم الخوف على الطمع إذ كانت الصواعق تقع من أول برقة ، ولا يحصل المطر إلا بعد تواتر البرقات ، فإن تواترها لا يكاد يكذب ، فقدم الخوف على الطمع ، ناسخا للخوف ، كمجيء الفرج بعد الشدة .

وكقوله : والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه الآية ( النور : 45 ) وفيها لطيفة حيث بدأ بالمشي على بطنه ، فإنها سيقت لبيان القدرة ، وهو أعجب من الذي بعده ، وكذا ما يمشي على رجلين أعجب ممن يمشي على أربع .

وكقوله - تعالى - : فمن ما ملكت أيمانكم ( النساء : 25 ) فهذا عام في المسلم والكافر ، ثم بين أن المراد المؤمنات بقوله : من فتياتكم المؤمنات ( النساء : 25 ) فخرج تزوج الأمة الكافرة .

وقوله - تعالى - : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ( الإسراء : 72 ) فإن الأول اسم منه والثاني أفعل تفضيل ، بدليل قوله بعده : وأضل سبيلا ( الإسراء : 72 ) ولهذا قرأ أبو عمرو الأول بالإمالة لأنه اسم ، والثاني بالتصحيح ليفرق بين ما هو اسم ، وما هو أفعل منه بالإمالة وتركها . فإن قلت : فقد قال النحويون : أفعل التفضيل لا يأتي من الخلق ، فلا يقال : زيد أعمى من عمرو ؛ لأنه لا [ ص: 325 ] يتفاوت . قلت : إنما جاز في الآية لأنه من عمى القلب ، أي من كان في هذه الدنيا أعمى القلب عما يرى من القدرة الإلهية ، ولا يؤمن به فهو عما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى أن يؤمن به ؛ أي أشد عمى . ولا شك أن عمى البصيرة متفاوت .

ومنه قوله - تعالى - : ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ( البقرة : 153 ) قال البيهقي في شعب الإيمان : الأشبه أن المراد بالصبر هاهنا الصبر على الشدائد ؛ لأنه أتبع مدح الصابرين بقوله : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ( البقرة : 154 ) إلى قوله : وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة ( البقرة : 155 و 156 ) .

الثاني : أن يكون بيانه منفصلا عنه في السورة معه أو في غيره ، كقوله - تعالى - : مالك يوم الدين ( الفاتحة : 4 ) وبيانه في سورة الانفطار بقوله : وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( الانفطار : 17 - 18 ) .

وقوله في سورتي النمل ( الآية : 89 ) والقصص ( الآية : 84 ) : من جاء بالحسنة فله خير منها ولم يبين في ليل ولا نهار ، وبينه في سورة الدخان بقوله : في ليلة مباركة ( الآية : 3 ) ثم بينها في ليلة القدر بقوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر ( الآية : 1 ) فالمباركة في الزمان هي ليلة القدر في هذه السورة ؛ لأن الإنزال واحد ، وبذلك يرد على من زعم أن المباركة ليلة النصف من شعبان ، وعجب كيف غفل عن ذلك ؟ ! .

وقد استنبط بعضهم هنا بيانا آخر ، وهو أنها ليلة سبعة عشر من قوله - تعالى - : وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ( الأنفال : 41 ) وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان ؛ وفي ذلك كلام .

وقوله - تعالى - : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( المائدة : 54 ) فسره في آية الفتح : أشداء على الكفار رحماء بينهم ( الآية : 29 ) .

وقوله - تعالى - : يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول ( الحج : 23 و 24 ) وقد فسره في سورة فاطر : وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ( الآية : 34 ) .

وقوله : وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ( الزخرف : 17 ) [ ص: 326 ] بين ذلك بقوله في النحل : وإذا بشر أحدهم بالأنثى ( الآية : 58 ) .

وذكر الله الطلاق مجملا ، وفسره في سورة الطلاق . وقال - تعالى - : إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ( المؤمنون : 6 ) فاستثنى الأزواج وملك اليمين ، ثم حظر - تعالى - الجمع بين الأختين ، وبين الأم والابنة والرابة بالآية الأخرى ( النساء : 33 ) .

ومنه قوله - تعالى - : إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ( الزمر : 3 ) فإن ظاهره مشكل ؛ لأن الله - سبحانه - قد هدى كفارا كثيرا وماتوا مسلمين ، وإنما المراد : لا يهدي من كان في علمه أنه قد حقت عليه كلمة العذاب ، وبيانه بقوله - تعالى - في السورة : أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( الزمر : 19 ) وقوله في سورة أخرى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ( يونس : 96 و 97 ) .

ومنه قوله - تعالى - : أجيب دعوة الداع إذا دعان ( البقرة : 186 ) وكثير من الناس يدعون فلا يستجاب لهم وبيانه بقوله - تعالى - : بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ( الأنعام : 41 ) فبين أن الإجابة متعلقة بالمشيئة ، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فسر الإجابة بقوله : ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلا أعطاه الله إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها .

ومنه قوله - تعالى - : ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( الشورى : 20 ) وكثير من [ ص: 327 ] الناس يريد ذلك فلا يحصل له ، وبيانه في قوله : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( الإسراء : 18 ) فهو كالذي قبله متعلق بالمشيئة .

ومنه قوله - تعالى - : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( الرعد : 28 ) وقال في آية أخرى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( الأنفال : 2 ) فإنه قد يستشكل اجتماعهما ؛ لأن الوجل خلاف الطمأنينة ؛ وهذا غفلة عن المراد ؛ لأن الاطمئنان إنما يكون عن ثلج القلب ، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد والعلم ، وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل ، والوجل إنما يكون عند خوف الزيغ ، والذهاب عن الهدى ، وما يستحق به الوعيد بتوجيل القلوب كذلك . وقد اجتمعا في قوله - تعالى - : تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ( الزمر : 23 ) لأن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ، ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك والارتياب ، الذي يعرض إن كان كلامهم فيمن أظهر الإسلام تعوذا ، فجعل لهم حكمة دون العلم الموجب لثلج الصدور وانتفاء الشك ، ونظائره كثيرة .

ومنه قوله - تعالى - في قصة لوط : فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون ( الحجر : 65 ) فلم يستثن امرأته في هذا الموضع ، وهي مستثناة في المعنى بقوله في الآية الأخرى : فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ( هود : 81 ) فأظهر الاستثناء في هذه الآية .

وكقوله - تعالى - : إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ( الحجر : 52 ) [ ص: 328 ] اختصر جوابه لبيانه في موضع آخر : فقالوا سلاما قال سلام ( الذاريات : 25 ) ، وكقوله : الحر بالحر والعبد بالعبد ( البقرة : 178 ) الآية ، فإنها نزلت تفسيرا وبيانا لمجمل قوله : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ( المائدة : 45 ) لأن هذه لما نزلت لم يفهم مرادها .

وقوله - تعالى - : حرمت عليكم ( النساء : 23 ) هي تفسير لقوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( النساء : 22 ) الآية .

وقوله : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب ( النساء : 7 ) الآية ، فإن هذه الآية مجملة ، لا يعلم منها من يرث من الرجال والنساء بالفرض والتعصيب ، ومن يرث ومن لا يرث ، ثم بينه في آية أخرى ، بقوله : يوصيكم الله في أولادكم ( النساء : 11 ) الآيات .

وكقوله : أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم ( المائدة : 1 ) فهذا الاستثناء مجمل ، بينه في آية أخرى بقوله : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ( المائدة : 3 ) .

وكقوله : ليبلونكم الله بشيء من الصيد ( المائدة : 94 ) الآية ، فهذا الابتلاء مجمل لا يعلم أحد في الحل أم في الحرم بينه قوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة : 95 ) الآية .

وكقوله : وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( الروم : 3 ) وهذا المجمل بينه في آية أخرى بقوله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ( التوبة : 33 ) الآية .

وكقوله - تعالى - : وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ( البقرة : 40 ) قال العلماء : بيان هذا العهد قوله - تعالى - : لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم ( المائدة : 12 ) الآية ، فهذا عهده - عز وجل - ، وعهدهم تمام الآية في قوله : لأكفرن عنكم سيئاتكم ( المائدة : 12 ) فإذا وفوا العهد الأول أعطوا ما وعدوا .

وقوله - تعالى - : ويقول الذين كفروا لست مرسلا ( الرعد : 43 ) يرد عليهم بقوله : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين ( يس : 1 - 3 ) . وقوله - تعالى - : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ( الدخان : 12 ) فقيل لهم : ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ( المؤمنون : 75 ) [ ص: 329 ] وقيل بل نزل بعده : إنا كاشفوا العذاب ( الدخان : 15 ) والتقدير : إن كشفنا العذاب تعودوا .

وقوله : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( الزخرف : 31 ) فرد عليهم بقوله : وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ( القصص : 68 ) .

وقوله : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ( الفرقان : 60 ) بيانه : الرحمن علم القرآن ( الرحمن : 1 و 2 ) .

وقوله : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( الأنفال : 31 ) فقيل لهم : لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( الإسراء : 88 ) .

وقوله : وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم ( ص : 6 ) فقيل لهم في الجواب : فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ( فصلت : 24 ) الآية .

ومنه : أم يقولون نحن جميع منتصر ( القمر : 44 ) فقيل لهم : ما لكم لا تناصرون ( الصافات : 25 ) .

ومنه : لو أطاعونا ما قتلوا ( آل عمران : 168 ) فرد عليهم بقوله : لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ( آل عمران : 154 ) .

وقوله : أم يقولون تقوله ( الطور : 33 ) رد عليهم بقوله : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ( الحاقة : 44 و 45 ) .

وقوله : مال هذا الرسول يأكل الطعام ( الفرقان : 7 ) فقيل لهم : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ( الفرقان : 20 ) .

وقوله : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( الفرقان : 32 ) فقيل في سورة أخرى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ( الإسراء : 106 ) .

وقوله ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون ( النمل : 45 ) تفسير هذا الاختصام ما قال في سورة أخرى : [ ص: 330 ] قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ( الأعراف : 75 ) الآية .

وقوله - تعالى - : لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( يونس : 64 ) وفسرها في موضع آخر بقوله : تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( فصلت : 30 ) .

ومنه حكاية عن فرعون لعنه الله : وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( المؤمن : 29 ) فرد عليه في قوله وما أمر فرعون برشيد ( هود : 97 ) .

وقوله : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له ( المجادلة : 18 ) وذكر هذا الحلف في قوله : قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( الأنعام : 23 ) .

وقوله في قصة نوح عليه السلام : أني مغلوب فانتصر ( القمر : 10 ) بين في مواضع أخر : ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا ( الأنبياء : 77 ) .

وقوله : وقالوا قلوبنا غلف ( البقرة : 88 ) أي أوعية للعلم فقيل لهم : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( الإسراء : 85 ) .

وجعل بعضهم من هذا قوله - تعالى - : قال رب أرني أنظر إليك ( الأعراف : 143 ) قال : فإن آية البقرة وهى قوله : حتى نرى الله جهرة ( الآية : 55 ) تدل على أن قوله : ( رب أرني ) لم يكن عن نفسه وإنما أراد به مطالبة قومه ولم يثبت في التوراة أنه سأل الرؤية إلا وقت حضور قومه معه وسؤالهم ذلك .

ومن ذلك قوله - تعالى - : صراط الذين أنعمت عليهم ( الفاتحة : 7 ) بينة في آية النساء بقوله : من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ( الآية : 69 ) .

فإن قيل : فهلا فسرها آية مريم : أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ( الآية : 58 ) الآية ! قيل : لا نسلم أولا أن هذه الآية في النبيين فقط ، لقوله : وممن حملنا مع نوح ( مريم : 58 ) وقوله : وممن هدينا واجتبينا ( مريم : 58 ) وهذا تصريح [ ص: 331 ] بالأنبياء وغيرهم . كيف وقد ذكرت مريم وهي صديقة على أحد القولين ! ولو سلم أنها في الأنبياء خاصة ، فهم بعض من أنعم الله عليهم ، وجعلهم في آية النساء صنفا من المنعم عليهم ، فكانت آية النساء من حيث هي عامة أولى بتفسير قوله : صراط الذين أنعمت عليهم ( الفاتحة : 7 ) ولأن آية مريم ليس فيها إلا الإخبار بأن الله أنعم عليهم ، وذلك هو معنى قوله : اهدنا الصراط المستقيم ( الفاتحة : 6 ) .

والرغبة إلى الله - تعالى - في الثبات عليها ، هي نفس الطاعة لله ولرسوله ، فإن العبد إذا هدي إلى الصراط المستقيم ، فقد هدي إلى الطاعة المقتضية أن يكون مع المنعم عليهم .

وظهر بهذا أن آية النساء أمس بتفسير سورة الحمد من الآية التي في سورة مريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية