فصل  
ينقسم القرآن العظيم إلى :  
ما هو بين بنفسه ، بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه ، ولا من غيره ،  وهو كثير . ومنه قوله - تعالى - :  
التائبون العابدون     ( التوبة : 112 ) الآية ، وقوله :  
إن المسلمين والمسلمات     ( الأحزاب : 35 ) الآية ، وقوله :  
قد أفلح المؤمنون     ( المؤمنون : 1 ) ، وقوله :  
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية     ( يس : 13 ) ، وقوله :  
ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا     ( النساء : 47 ) .   
[ ص: 322 ] وإلى  
ما ليس ببين بنفسه فيحتاج إلى بيان . وبيانه إما فيه في آية أخرى ، أو في السنة ، لأنها موضوعة للبيان ،  قال - تعالى - :  
لتبين للناس ما نزل إليهم     ( النحل : 44 ) .  
والثاني : ككثير من أحكام الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والمعاملات ، والأنكحة ، والجنايات ، وغير ذلك ، كقوله - تعالى - :  
وآتوا حقه يوم حصاده     ( الأنعام : 141 ) ولم يذكر كيفية الزكاة ، ولا نصابها ، ولا أوقاصها ، ولا شروطها ، ولا أحوالها ، ولا من تجب عليه ممن لا تجب عليه ، وكذا لم يبين عدد الصلاة ولا أوقاتها .  
وكقوله :  
فمن شهد منكم الشهر فليصمه     ( البقرة : 185 ) ،  
ولله على الناس حج البيت     ( آل عمران : 97 ) ولم يبين أركانه ولا شروطه ، ولا ما يحل في الإحرام ، وما لا يحل ، ولا ما يوجب الدم ولا ما لا يوجبه ، وغير ذلك .  
والأول قد أرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بما ثبت في الصحيحين عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  nindex.php?page=hadith&LINKID=1018668لما نزل :  الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم     ( الأنعام : 82 ) شق ذلك على المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ! وأينا لا يظلم نفسه ! قال : ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا ما قال  لقمان  لابنه :  يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم     ( لقمان : 13 ) ، فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - الظلم هاهنا على الشرك ، لمقابلته بالإيمان . واستأنس عليه بقول  
لقمان     .  
وقد يكون بيانه مضمرا فيه ، كقوله - تعالى - :  
حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها     ( الزمر : 73 ) فهذا يحتاج إلى بيان ؛ لأن ( حتى إذا ) لا بد لها من تمام ، وتأويله :      
[ ص: 323 ] حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت أبوابها . ومثله :  
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال     ( الرعد : 31 ) أي : لكان هذا القرآن على رأي النحويين . قال  
ابن فارس     : ويسمى هذا عند العرب الكف .  
وقد يومئ إلى المحذوف ، إما متأخر كقوله - تعالى - :  
أفمن شرح الله صدره للإسلام     ( الزمر : 22 ) فإنه لم يجيء له جواب في اللفظ ، لكن أومأ إليه قوله :  
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله     ( الزمر : 22 ) ، وتقديره : أفمن شرح الله صدره للإسلام ، كمن قسا قلبه ؛ وإما متقدم كقوله - تعالى - :  
أم من هو قانت آناء الليل     ( الزمر : 9 ) فإنه أومأ إلى ما قبله :  
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه     ( الزمر : 8 ) كأنه قال : أهذا الذي هو هكذا خير أم من هو قانت ؟ فأضمر المبتدأ .  
ونظيره :  
مثل الجنة التي وعد المتقون     ( محمد : 15 ) ومن هذه صفته :  
كمن هو خالد في النار     ( محمد : 15 ) .  
وقد يكون بيانه واضحا وهو أقسام :  
أحدها :  
أن يكون عقبه ،  كقوله - تعالى - :  
الله الصمد     ( الإخلاص : 2 ) قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي  تفسيره :  
لم يلد ولم يولد  ولم يكن له كفوا أحد     ( الإخلاص : 3 و 4 ) .  
وكقوله - تعالى - :  
إن الإنسان خلق هلوعا     ( المعارج : 19 ) قال  
أبو العالية     : تفسيره :  
إذا مسه الشر جزوعا  وإذا مسه الخير منوعا     ( المعارج : 20 و 21 ) ،  وقال  
ثعلب     : سألني  
 nindex.php?page=showalam&ids=16977محمد بن طاهر :  ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره الله - تعالى     .  
وكقوله - تعالى - :  
فيه آيات بينات     ( آل عمران : 97 ) فسره بقوله :  
مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا     ( آل عمران : 97 ) .  
وقوله :  
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم     ( الأنبياء : 98 ) ومعلوم أنه لم يرد به  
المسيح   وعزيرا  والملائكة ؛ فنزلت الآية مطلقة ، اكتفاء بالدلالة      
[ ص: 324 ] الظاهرة ، على أنه لا يعذبهم الله ، وكان ذلك بمنزلة الاستثناء باللفظ ، فلما قال المشركون : هذا هو  
المسيح   وعزير  قد عبدا من دون الله أنزل الله :  
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون     ( الأنبياء : 101 ) .  
وقوله :  
يريكم البرق خوفا وطمعا     ( الرعد : 12 ) ففسر رؤية البرق بأنه ليس في رؤيته إلا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار . وفيها لطيفة ، وهى تقديم الخوف على الطمع إذ كانت الصواعق تقع من أول برقة ، ولا يحصل المطر إلا بعد تواتر البرقات ، فإن تواترها لا يكاد يكذب ، فقدم الخوف على الطمع ، ناسخا للخوف ، كمجيء الفرج بعد الشدة .  
وكقوله :  
والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه  الآية ( النور : 45 ) وفيها لطيفة حيث بدأ بالمشي على بطنه ، فإنها سيقت لبيان القدرة ، وهو أعجب من الذي بعده ، وكذا ما يمشي على رجلين أعجب ممن يمشي على أربع .  
وكقوله - تعالى - :  
فمن ما ملكت أيمانكم     ( النساء : 25 ) فهذا عام في المسلم والكافر ، ثم بين أن المراد المؤمنات بقوله :  
من فتياتكم المؤمنات     ( النساء : 25 ) فخرج تزوج الأمة الكافرة .  
وقوله - تعالى - :  
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى     ( الإسراء : 72 ) فإن الأول اسم منه والثاني أفعل تفضيل ، بدليل قوله بعده :  
وأضل سبيلا     ( الإسراء : 72 ) ولهذا قرأ  
أبو عمرو  الأول بالإمالة لأنه اسم ، والثاني بالتصحيح ليفرق بين ما هو اسم ، وما هو أفعل منه بالإمالة وتركها . فإن قلت : فقد قال  
النحويون      : أفعل التفضيل لا يأتي من الخلق ، فلا يقال : زيد أعمى من عمرو ؛ لأنه لا      
[ ص: 325 ] يتفاوت . قلت : إنما جاز في الآية لأنه من عمى القلب ، أي من كان في هذه الدنيا أعمى القلب عما يرى من القدرة الإلهية ، ولا يؤمن به فهو عما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى أن يؤمن به ؛ أي أشد عمى . ولا شك أن عمى البصيرة متفاوت .  
ومنه قوله - تعالى - :  
ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة     ( البقرة : 153 ) قال  
البيهقي  في شعب الإيمان : الأشبه أن المراد بالصبر هاهنا الصبر على الشدائد ؛ لأنه أتبع مدح الصابرين بقوله :  
ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء     ( البقرة : 154 ) إلى قوله :  
وبشر الصابرين  الذين إذا أصابتهم مصيبة     ( البقرة : 155 و 156 ) .  
الثاني :  
أن يكون بيانه منفصلا عنه في السورة معه أو في غيره ،  كقوله - تعالى - :  
مالك يوم الدين     ( الفاتحة : 4 ) وبيانه في سورة الانفطار بقوله :  
وما أدراك ما يوم الدين  ثم ما أدراك ما يوم الدين  يوم لا تملك نفس لنفس شيئا  والأمر يومئذ لله     ( الانفطار : 17 - 18 ) .  
وقوله في سورتي النمل ( الآية : 89 ) والقصص ( الآية : 84 ) :  
من جاء بالحسنة فله خير منها  ولم يبين في ليل ولا نهار ، وبينه في سورة الدخان بقوله :  
في ليلة مباركة     ( الآية : 3 ) ثم بينها في ليلة القدر بقوله :  
إنا أنزلناه في ليلة القدر     ( الآية : 1 ) فالمباركة في الزمان هي ليلة القدر في هذه السورة ؛ لأن الإنزال واحد ، وبذلك يرد على من زعم أن المباركة ليلة النصف من شعبان ، وعجب كيف غفل عن ذلك ؟ ! .  
وقد استنبط بعضهم هنا بيانا آخر ، وهو أنها ليلة سبعة عشر من قوله - تعالى - :  
وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان     ( الأنفال : 41 ) وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان ؛ وفي ذلك كلام .  
وقوله - تعالى - :  
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين     ( المائدة : 54 ) فسره في آية الفتح :  
أشداء على الكفار رحماء بينهم     ( الآية : 29 ) .  
وقوله - تعالى - :  
يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير  وهدوا إلى الطيب من القول     ( الحج : 23 و 24 ) وقد فسره في سورة فاطر :  
وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور     ( الآية : 34 ) .  
وقوله :  
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا     ( الزخرف : 17 )      
[ ص: 326 ] بين ذلك بقوله في النحل :  
وإذا بشر أحدهم بالأنثى     ( الآية : 58 ) .  
وذكر الله الطلاق مجملا ، وفسره في سورة الطلاق . وقال - تعالى - :  
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم     ( المؤمنون : 6 ) فاستثنى الأزواج وملك اليمين ، ثم حظر - تعالى - الجمع بين الأختين ، وبين الأم والابنة والرابة بالآية الأخرى ( النساء : 33 ) .  
ومنه قوله - تعالى - :  
إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار     ( الزمر : 3 ) فإن ظاهره مشكل ؛ لأن الله - سبحانه - قد هدى كفارا كثيرا وماتوا مسلمين ، وإنما المراد : لا يهدي من كان في علمه أنه قد حقت عليه كلمة العذاب ، وبيانه بقوله - تعالى - في السورة :  
أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار     ( الزمر : 19 ) وقوله في سورة أخرى :  
إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون  ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم     ( يونس : 96 و 97 ) .  
ومنه قوله - تعالى - :  
أجيب دعوة الداع إذا دعان     ( البقرة : 186 ) وكثير من الناس يدعون فلا يستجاب لهم وبيانه بقوله - تعالى - :  
بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء     ( الأنعام : 41 ) فبين أن الإجابة متعلقة بالمشيئة ، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فسر الإجابة بقوله :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018669ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلا أعطاه الله إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها     .  
ومنه قوله - تعالى - :  
ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها     ( الشورى : 20 ) وكثير من      
[ ص: 327 ] الناس يريد ذلك فلا يحصل له ، وبيانه في قوله :  
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد     ( الإسراء : 18 ) فهو كالذي قبله متعلق بالمشيئة .  
ومنه قوله - تعالى - :  
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله     ( الرعد : 28 ) وقال في آية أخرى :  
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم     ( الأنفال : 2 ) فإنه قد يستشكل اجتماعهما ؛ لأن الوجل خلاف الطمأنينة ؛ وهذا غفلة عن المراد ؛ لأن الاطمئنان إنما يكون عن ثلج القلب ، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد والعلم ، وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل ، والوجل إنما يكون عند خوف الزيغ ، والذهاب عن الهدى ، وما يستحق به الوعيد بتوجيل القلوب كذلك . وقد اجتمعا في قوله - تعالى - :  
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء     ( الزمر : 23 ) لأن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ، ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك والارتياب ، الذي يعرض إن كان كلامهم فيمن أظهر الإسلام تعوذا ، فجعل لهم حكمة دون العلم الموجب لثلج الصدور وانتفاء الشك ، ونظائره كثيرة .  
ومنه قوله - تعالى - في قصة  
لوط      :  
فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون     ( الحجر : 65 ) فلم يستثن امرأته في هذا الموضع ، وهي مستثناة في المعنى بقوله في الآية الأخرى :  
فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك     ( هود : 81 ) فأظهر الاستثناء في هذه الآية .  
وكقوله - تعالى - :  
إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون     ( الحجر : 52 )      
[ ص: 328 ] اختصر جوابه لبيانه في موضع آخر :  
فقالوا سلاما قال سلام     ( الذاريات : 25 ) ، وكقوله :  
الحر بالحر والعبد بالعبد     ( البقرة : 178 ) الآية ، فإنها نزلت تفسيرا وبيانا لمجمل قوله :  
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس     ( المائدة : 45 ) لأن هذه لما نزلت لم يفهم مرادها .  
وقوله - تعالى - :  
حرمت عليكم     ( النساء : 23 ) هي تفسير لقوله :  
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء     ( النساء : 22 ) الآية .  
وقوله :  
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب     ( النساء : 7 ) الآية ، فإن هذه الآية مجملة ، لا يعلم منها من يرث من الرجال والنساء بالفرض والتعصيب ، ومن يرث ومن لا يرث ، ثم بينه في آية أخرى ، بقوله :  
يوصيكم الله في أولادكم     ( النساء : 11 ) الآيات .  
وكقوله :  
أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم     ( المائدة : 1 ) فهذا الاستثناء مجمل ، بينه في آية أخرى بقوله :  
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير     ( المائدة : 3 ) .  
وكقوله :  
ليبلونكم الله بشيء من الصيد     ( المائدة : 94 ) الآية ، فهذا الابتلاء مجمل لا يعلم أحد في الحل أم في الحرم بينه قوله :  
لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم     ( المائدة : 95 ) الآية .  
وكقوله :  
وهم من بعد غلبهم سيغلبون     ( الروم : 3 ) وهذا المجمل بينه في آية أخرى بقوله :  
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق     ( التوبة : 33 ) الآية .  
وكقوله - تعالى - :  
وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم     ( البقرة : 40 ) قال العلماء : بيان هذا العهد قوله - تعالى - :  
لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم     ( المائدة : 12 ) الآية ، فهذا عهده - عز وجل - ، وعهدهم تمام الآية في قوله :  
لأكفرن عنكم سيئاتكم     ( المائدة : 12 ) فإذا وفوا العهد الأول أعطوا ما وعدوا .  
وقوله - تعالى - :  
ويقول الذين كفروا لست مرسلا     ( الرعد : 43 ) يرد عليهم بقوله :  
يس  والقرآن الحكيم  إنك لمن المرسلين     ( يس : 1 - 3 ) . وقوله - تعالى - :  
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون     ( الدخان : 12 ) فقيل لهم :  
ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون     ( المؤمنون : 75 )      
[ ص: 329 ] وقيل بل نزل بعده :  
إنا كاشفوا العذاب     ( الدخان : 15 ) والتقدير : إن كشفنا العذاب تعودوا .  
وقوله :  
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم     ( الزخرف : 31 ) فرد عليهم بقوله :  
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة     ( القصص : 68 ) .  
وقوله :  
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن     ( الفرقان : 60 ) بيانه :  
الرحمن  علم القرآن     ( الرحمن : 1 و 2 ) .  
وقوله :  
قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا     ( الأنفال : 31 ) فقيل لهم :  
لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا     ( الإسراء : 88 ) .  
وقوله :  
وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم     ( ص : 6 ) فقيل لهم في الجواب :  
فإن يصبروا فالنار مثوى لهم     ( فصلت : 24 ) الآية .  
ومنه :  
أم يقولون نحن جميع منتصر     ( القمر : 44 ) فقيل لهم :  
ما لكم لا تناصرون     ( الصافات : 25 ) .  
ومنه :  
لو أطاعونا ما قتلوا     ( آل عمران : 168 ) فرد عليهم بقوله :  
لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم     ( آل عمران : 154 ) .  
وقوله :  
أم يقولون تقوله     ( الطور : 33 ) رد عليهم بقوله :  
ولو تقول علينا بعض الأقاويل  لأخذنا منه باليمين     ( الحاقة : 44 و 45 ) .  
وقوله :  
مال هذا الرسول يأكل الطعام     ( الفرقان : 7 ) فقيل لهم :  
وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق     ( الفرقان : 20 ) .  
وقوله :  
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة     ( الفرقان : 32 ) فقيل في سورة أخرى :  
وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث     ( الإسراء : 106 ) .  
وقوله  
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون     ( النمل : 45 ) تفسير هذا الاختصام ما قال في سورة أخرى :      
[ ص: 330 ] قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه     ( الأعراف : 75 ) الآية .  
وقوله - تعالى - :  
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة     ( يونس : 64 ) وفسرها في موضع آخر بقوله :  
تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون     ( فصلت : 30 ) .  
ومنه حكاية عن فرعون لعنه الله :  
وما أهديكم إلا سبيل الرشاد     ( المؤمن : 29 ) فرد عليه في قوله  
وما أمر فرعون برشيد     ( هود : 97 ) .  
وقوله :  
يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له     ( المجادلة : 18 ) وذكر هذا الحلف في قوله :  
قالوا والله ربنا ما كنا مشركين     ( الأنعام : 23 ) .  
وقوله في قصة  
نوح   عليه السلام :  
أني مغلوب فانتصر     ( القمر : 10 ) بين في مواضع أخر :  
ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا     ( الأنبياء : 77 ) .  
وقوله :  
وقالوا قلوبنا غلف     ( البقرة : 88 ) أي أوعية للعلم فقيل لهم :  
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا     ( الإسراء : 85 ) .  
وجعل بعضهم من هذا قوله - تعالى - :  
قال رب أرني أنظر إليك     ( الأعراف : 143 ) قال : فإن آية البقرة وهى قوله :  
حتى نرى الله جهرة     ( الآية : 55 ) تدل على أن قوله : (  
رب أرني     ) لم يكن عن نفسه وإنما أراد به مطالبة قومه ولم يثبت في التوراة أنه سأل الرؤية إلا وقت حضور قومه معه وسؤالهم ذلك .  
ومن ذلك قوله - تعالى - :  
صراط الذين أنعمت عليهم     ( الفاتحة : 7 ) بينة في آية النساء بقوله :  
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين     ( الآية : 69 ) .  
فإن قيل : فهلا فسرها آية  
مريم     :  
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح     ( الآية : 58 ) الآية ! قيل : لا نسلم أولا أن هذه الآية في النبيين فقط ، لقوله :  
وممن حملنا مع نوح     (  
مريم     : 58 ) وقوله :  
وممن هدينا واجتبينا     ( مريم : 58 ) وهذا تصريح      
[ ص: 331 ] بالأنبياء وغيرهم . كيف وقد ذكرت  
مريم  وهي صديقة على أحد القولين ! ولو سلم أنها في الأنبياء خاصة ، فهم بعض من أنعم الله عليهم ، وجعلهم في آية النساء صنفا من المنعم عليهم ، فكانت آية النساء من حيث هي عامة أولى بتفسير قوله :  
صراط الذين أنعمت عليهم     ( الفاتحة : 7 ) ولأن آية  
مريم  ليس فيها إلا الإخبار بأن الله أنعم عليهم ، وذلك هو معنى قوله :  
اهدنا الصراط المستقيم     ( الفاتحة : 6 ) .  
والرغبة إلى الله - تعالى - في الثبات عليها ، هي نفس الطاعة لله ولرسوله ، فإن العبد إذا هدي إلى الصراط المستقيم ، فقد هدي إلى الطاعة المقتضية أن يكون مع المنعم عليهم .  
وظهر بهذا أن آية النساء أمس بتفسير سورة الحمد من الآية التي في سورة مريم .