فصل  
وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين وفي موضع آخر ما يعينه لأحدهما ،  كقوله - تعالى - في سورة البقرة :  
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة     ( البقرة : 7 ) فيحتمل أن يكون السمع معطوفا على (  
ختم     ) ويحتمل الوقف على قوله : (  
قلوبهم     ) لأن الختم إنما يكون على القلب ، وهذا أولى لقوله في الجاثية :  
وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة     ( الآية : 23 ) .  
وقوله - تعالى - في سورة الحجر :  
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين     ( الآية : 42 )      
[ ص: 333 ] فالاستثناء منقطع لقوله في الإسراء :  
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا     ( الآية : 65 ) ولو كان متصلا لاستثناهم ، فلما لم يستثنهم دل على أنهم لم يدخلوا .  
وقوله :  
وجعلنا من الماء كل شيء حي     ( الأنبياء : 30 ) فقد قيل : إن حياة كل شيء إنما هو بالماء . قال  
ابن درستويه     : وهذا غير جائز في العربية ؛ لأنه لو كان المعنى كذلك لم يكن (  
حي     ) مجرورا ولكان منصوبا ، وإنما (  
حي     ) صفة لشيء ؛ ومعنى الآية : خلق جميع الخلق من الماء ويدل له قوله في موضع آخر :  
والله خلق كل دابة من ماء     ( النور : 45 ) .  
ومما يحتمل قوله - تعالى - :  
فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل     ( طه : 39 ) فإن (  
فليلقه     ) يحتمل الأمر والخبر ، كأنه قال : فاقذفيه في اليم يلقيه اليم ، ويحتمل أن يكون أمرا بإلقائه .  
ومنه قوله - تعالى - :  
ذرني ومن خلقت وحيدا     ( المدثر : 11 ) فإنه يحتمل أن يكون خلقته وحيدا فريدا من ماله وولده .  
وفي الآية بحث آخر ، وهو أن  
أبا البقاء  أجاز فيها ، وفي قوله :  
وذرني والمكذبين     ( المزمل : 11 ) أن تكون الواو عاطفة ، وهو فاسد ؛ لأنه يلزم منه أن يكون الله قد أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتركه ، وكأنه قال : اتركني واترك من خلقت وحيدا وكذلك اتركني ، واترك المكذبين فيتعين أن يكون المراد : خل بيني وبينهم ، وهي واو " مع " كقوله : " لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها " .  
وقد يكون للفظ ظاهر وباطن ،  كقوله - تعالى - :  
أن طهرا بيتي للطائفين     ( البقرة : 125 )      
[ ص: 334 ] ظاهره  
الكعبة ،   وباطنه القلب ، قال العلماء : ونحن نقطع أن المراد بخطاب  
إبراهيم   الكعبة ؛   لكن العالم يتجاوز إلى القلب بطريق الاعتبار عند قوم ، والأولى عند آخرين ، ومن باطنه إلحاق سائر المساجد به ، ومن ظاهره عند قوم العبور فيه .