صفحة جزء
الثامن عشر : خطاب عين والمراد غيره . كقوله ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ( الأحزاب : 1 ) الخطاب له والمراد المؤمنون : لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان تقيا ، وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين . والدليل على ذلك قوله في سياق الآية : واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ( الأحزاب : 2 ) .

وقوله - تعالى - : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ( يونس : 94 ) بدليل قوله في صدر الآية : قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني ( يونس : 104 ) .

ومنهم من أجراه على حقيقته وأوله ، قال أبو عمر الزاهد في الياقوتة : سمعت الإمامين ثعلب والمبرد يقولان : معنى فإن كنت في شك أي قل يا محمد للكافر : إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود ؛ إنهم أعلم به من أجل أنهم أصحاب كتاب .

وقوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم ( التوبة : 43 ) قال ابن فورك : معناه وسع الله عنك على وجه الدعاء ، و لم أذنت لهم ( التوبة : 43 ) تغليظ على المنافقين وهو في الحقيقة عتاب راجع إليهم ؛ وإن كان في الظاهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ( يونس : 94 ) .

وقوله : عبس وتولى ( عبس : 1 ) قيل إنه أمية ، وهو الذي تولى دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ألا ترى أنه لم يقل : عبست !

وقوله : ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( الزمر : 65 ) . وقوله : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ( البقرة : 145 ) .

[ ص: 368 ] وبهذا يزول الإشكال المشهور في أنه : كيف يصح خطابه - صلى الله عليه وسلم - مع ثبوت عصمته عن ذلك كله ؟ ويجاب أيضا بأن ذلك على سبيل الفرض ، والمحال يصح فرضه لغرض .

والتحقيق أن هذا ونحوه من باب خطاب العام من غير قصد شخص معين ؛ والمعنى اتفاق جميع الشرائع على ذلك . ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من أصله .

وعكس هذا أن يكون المراد عاما ، والمراد الرسول ، قوله : لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم الآية ( الأنبياء : 10 ) بدليل قوله في سياقها : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( يونس : 99 ) .

وأما قوله في سورة الأنعام : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ( الآية : 35 ) فليس من هذا الباب . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التقدير : فلا تكونن من الجاهلين في ألا تعلم أن الله لو شاء لجمعهم . ويحتمل أن يهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده . ثم قال : ويظهر تباين ما بين قوله - تعالى - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : فلا تكونن من الجاهلين وبين قوله - عز وجل - لنوح عليه السلام : إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( هود : 46 ) وقد تقرر أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنبياء .

وقال مكي والمهدوي : الخطاب بقوله : فلا تكونن من الجاهلين ( الأنعام : 35 ) للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد أمته ، وهذا ضعيف ولا يقتضيه اللفظ .

وقال قوم : وقر نوح عليه السلام لسنه وشيبه .

وقال قوم : جاء الحمل على النبي - صلى الله عليه وسلم - لقربه من الله ومكانته ، كما يحمل العاتب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب . قال : والوجه القوي عندي في الآية هو أن ذلك لم يجئ بحسب النبيين ، وإنما جاء بحسب الأمر من الله ، ووقع النبي عنهما والعقاب فيهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية